أود التطرق في هذه المقالة إلى إفساح وإفصاح ما يجول بخاطري وما يساور ذهني الى موضوع من الاهمية بمكان ويصاحب كل زمان، ويشغل فكر كل انسان، بل يعيش معه، او بمعنى اصح يتعايش معه، ولا يفتأ ملتصقاً به رافضاً الانفكاك عنه، وكأنه ضيف ثقيل، بل أشد وطأة من الضيف الثقيل، فالضيف الثقيل تستطيع الانفكاك منه بالرحيل عنه كما قال الشاعر: إذا حل الثقيل بدار قوم فما على القوم إلا الرحيل ولكي لا أجعلك تستمر في حيرتك ورغبتك في معرفة هذا الملتصق بالذهن والوجدان «مع أن الجواب باين من عنوانه» فإنه القلق، هذه الكلمة المكونة من خمسة احرف، وكل حرف باستطاعته جر قطار عطفاً على قوة تأثيره، وهذا الهم الجاثم على الصدور وفي هجيع الليل يستأثر الحضور، ربما لأنه مظلم ويحب الظلام، لذا يكون في أوج عطائه، وذروة انتاجه في الليل، تبعاً لارتباطه بعوامل مساعدة، ومنها على سبيل المثال، الخوف، وتختلف درجات القلق وتتباين تأثيراته بتباين مسبباته، ولئن كان هذا الزائر الشرس قاسياً، فإنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة الناس، ولكي تحجّم دور هذا الزائر وتضيّق الخناق عليه، فإن جسر عبور الحب والامان والاطمئنان، وقمة الاطمئنان وذروة سنامه ذكر الله {أّلا بٌذٌكًرٌ اللهٌ تّطًمّئٌنٍَ القٍلٍوبٍ} {لا إلّهّ إلاَّ اللهٍ } قلها وبصوت مجلجل يفزع من يقف وراءه ويسنده ويئده في مهده، ومن المعلوم بأن للقلق مسببات، وفي المقابل فإنه لايوجد داء إلا وله دواء، فمتى ما تجنبت اسباب القلق متى ما خفت حدته وانحسرت وتيرته، وانا لست بمعزل عنه، وادعو المولى لي ولكم بان يخلّصنا منه، ولا ريب بان الابتسامة تفضي الى انشراح الصدر، من خلال الطرفة الجميلة الخالية من التهكم والسخرية والبعيدة عن ايذاء البشر ما لها ابلغ الأثر وبالتالي تساهم في ازالة التوتر والقلق وان كانت مرحلة وقتية فما يلبث الذهن مسترجعاً الواقع وتحقيق التوازن النفسي في هذه الناحية بالغ الاهمية، ويُعد من الركائز الاساسية في ازالة الحزن والكآبة والتحكم في المشاعر وخصوصاً في حالات الفرح والحزن، فلا افراط ولا تفريط فإن افرطت في الضحك فإن الحزن سيكون بمقدار تجاوزك الجرعة المحددة للضحك، والعكس بالعكس، من هنا فإن على الانسان ان يحرص على هذا الجانب، وقبل هذا وذاك مخافة الله في السر والعلن، فانها كفيلة بإزاحة هذا الهاجس، والتوكل عليه وحده سبحانه، ويعلم خائنة الاعين وماتخفي الصدور، واذا انطلقنا في هذا الاتجاه وجعلنا هذا الاساس متكأ، فإنه سيصبح سنداً لنا في ازالة مايكدر خواطرنا ويشفي صدورنا، فمن كتاب الله المعجز نستلهم العبر، ومن احاديث سيد البشر ما يضيء طريقنا لخير الدنيا والآخرة، ويزيل همومنا واحزاننا، فنحن ولله الحمد مسلمون ونشأنا في بيئة اسلامية، وهذا ما سهل علينا الطريق واختصر لنا المسافات لأن الواجبات والحقوق حددت، فلا تشغل نفسك في الامور الغيبية لكي تكون في زمرة «الموقنين» واليقين يقطع الطريق على الوساوس والتي هي من عمل الشيطان، ويضع حداً للخيال في عدم تجاوز الادراك والزج به في فضاء هائل، لم تبرح المعادلات الرياضية حائرة في جبر كسوره، وسبر اغوار غموضه، فكلما ازداد التقدم العلمي تطوراً في اكتشافات علمية كلما اتسع الافق وازداد الغموض وصدق الباري عز وجل القائل في محكم كتابه {وّمّا أٍوتٌيتٍم مٌَنّ العٌلًمٌ إلاَّ قّلٌيلاْ} والخوض في هذه المسائل يوقع الانسان في عواصف الشكوك، والتي يصاحبها بطبيعة الحال القلق، وهذه الاسئلة الحائرة ستنكفئ وتعود ادراجها الى حيث الادراك، لأن العلم بيد عزيز مقتدر، فضلاً عن الخوض في امور ليست من اختصاص البشر، بل هي من خصائص خالق البشر ومن ضمن الامور المسببة للقلق الخوف. قال تعالى في محكم التنزيل {وّلّنّبًلٍوّنَّكٍم بٌشّيًءُ مٌَنّ الخّوًفٌ وّالًجٍوعٌ وّنّقًصُ مٌَنّ الأّّمًوّالٌ وّالأّّنفٍسٌ وّالثَّمّرّاتٌ وّبّشٌَرٌ الصَّابٌرٌينّ} إنك لو تأملت هذه الآية الكريمة ستجد قدرة الخالق تتجلى في ابتلائه لعباده بالخوف، والبشرى عند الصبر، والخوف غريزة في جميع المخلوقات، وما اجمل الخوف حينما يكون من الله متمثلاً في طاعته لاوامره واجتنابه لنواهيه، والانسان بطبيعته يكره الخوف، فإذا خفت ممن هو قادر على نزع الخوف من قلبك فإنك بإذن الله ستكون في مأمن، كما بشر الخالق الصابرين، وحكمة الخالق جلّ وعلا بالغة «ولا يبتلى الا المؤمن» فلِمَ الخوف اذا لم يكن من رب العزة والجلال ويقينك بلا ريب سيكون مقياساً لاطمئنانك ومؤشراً برضاك، وتسليمك لكل ما يكتبه ربك عليك فلئن ابتلاك في الدنيا فإنه وعدك سبحانه بالآخرة ووعده الحق، فأنت لا تخاف من المجهول لأنه عند الله معلوم، وفي كتاب مسطور، ومن المعلوم ما ينشأ من الخوف من امراض نفسية عديدة، وهناك من يخاف ركوب الطائرة، او الغوص في البحر، وهناك من يستبق الحدث كأن يكون خائفاً من رد فعل معين، لعمل هو قام به، وهنا بطبيعة الحال تزيد جرعة القلق كأن يستشف خيالك تصوراً، ربما يكون مغايراً لما في مخيلتك، فأنت تضع أسوأ الاحتمالات لتكون في الجانب النفسي ضمن الاحتياطات، وهذا في تقديري خطأ وخطأ فادح، فطالما انك اخلصت النية والقصد، وابتعدت عن الاساءة الى الخلق وإلحاق الاذى بالآخرين فإنك اجتهدت، فلئن كنت اخطأت فهذا ليس بعيب فإنك عملت وفق ما يمليه عليك ضميرك مستنداً على ايمانك بربك، فقط كن صادقاً ومخلصاً في قولك وعملك، وكون عملك لم يكن صائباً فإن الحق تبارك وتعالى لم يكلف النفس مالا تطيق، قال تعالى في محكم التنزيل {لا يٍكّلٌَفٍ اللهٍ نّفًسْا إلاَّ وٍسًعّهّا لّهّا مّا كّسّبّتً وّعّلّيًهّا مّا اكًتّسّبّتً} ولعل ما يساهم في الخوف المفضي الى القلق فإنه انتفاء الصدق مع النفس، وورد في الحديث الشريف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ان الصدق يهدي الى البر، وان البر يهدي الى الجنة، وان الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وان الكذب يهدي الى الفجور وإن الفجور يهدي الى النار وان الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً»، وهذا دليل على اهمية الصدق في حياة المسلم، والصدق مع النفس هو ان يكون صدقك نابعاً من يقينك واعتقادك، لتفرض على نفسك فتكبح جماحها وتقطع طريق انحرافها ولا تجعلها تستأثر بك وتلج الى مشاعرك كأن تسول لك امراً وتستغل ضعفك بدينك وتعتقد بأن أحداً لن يكتشف هذا الامر فإذا خلوت الى نفسك ستكون الازدواجية بلا ريب، وقد وجدت مكاناً في قلبك، ليبدأ جلد الذات القسري عطفاً على اعتقادك إذ كيف تؤمن بشيء وتأتي بشيء يخالفه، فإنك تستطيع الهرب من كل شيء إلا من ذاتك، وتستطيع الافلات من كل العيون الا من عين الواحد الأحد الفرد الصمد، ولو عملت احصائية للآثار المسببة للقلق فإن عدم الصدق مع النفس ينال الحظ الأوفر، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنك متى ما كنت صادقاً مع نفسك، متى ما كنت صادقاً مع الآخرين لأن ذلك سيكون ديدنك ومسارك، وبذلك تساهم في ازاحة جزء ليس باليسير مما يثقل كاهلك فضلاً عن ان الكذب يوقعك في المهالك، وقصة الصبي الذي كان يكذب على اهل القرية ويصيح بأعلى صوته بأن الذئب في مواجهته فإذا هرع اهل القرية لنجدته لم يجدوا ذئباً بل وجدوه كاذباً، حتى فاجأه الذئب في إحدى المرات ونادى بأعلى صوته وهذه المرة كان صادقاً فلم يخرج احد لنجدته فوقع في شر عمله وسوء تصرفه، والأمثلة على ذلك كثيرة فليس هناك من شر إلا حذرنا ديننا منه وليس هناك من خير، إلا دلنا عليه، ولكي نساهم في عدم استضافة القلق واستقباله ينبغي ان نتحلى بصفات منها: حسن الخلق، التواضع، الوفاء بالعهد، الامانة، الصبر، الحلم، العفو والتسامح، الرحمة، المحبة، الايثار، الجود والكرم، حفظ اللسان، حق الجار، الاعتدال. ونتجنب صفات منها: الكذب، النفاق، الخيانة، الغلظة، الغضب، الاحتيال، الرشوة، الاسراف، البخل، الظلم، سوء الظن، الغفلة، الغيبة، الحسد، الحقد، النميمة.