في زحمة الحياة قد تغيب عن الانسان حكمة خلقه وغاية وجوده,, فينشد السعادة في منفعة عاجلة او لذة ذاهبة, ثم يتبين له أنه قد ظلم نفسه حين اخذها أو أخذته الى سراب خادع يحسبه ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه. ولكي يسلم الانسان من ظلم نفسه لابد ان يصدقها, ولن يستطيع ذلك إلا اذا استحضر دائما حكمة خلقه وغاية وجوده وعلم أن سبيله إلى ذلك هو الصدق الذي يتسع لقصده وعمله ويراه طمأنينة وسعادة في جميع أمره, فيكون صادقا مع نفسه في سلامه قصده وطهارة عمله ومعرفته وخشيته من ربه,, ويحذر كل الحذر من خداع نفسه ببريق الزينة والمتاع وان يرغبها فيما لاتحسن عاقبته, وأول مايجب أن تؤخذ النفس به أن توقن ان لها اجلا محدودا مسمى عند الله لاعندها,, وانها لاتدري متى تدعى فتجيب وماتدري نفس ماذا تكسب غدا وماتدري نفس بأي أرض تموت ,,, وأن يرى صدق الايمان واليقين في فعل الخيرات والكف عن السيئات, ومن حسب انه يترك دون اظهار ماهو عليه من صدق او كذب فقد جهل حكمة خلقه وعاقبة امره وان الله لن يدع الناس ان يقولوا آمنا دون امتحان واختبار,, وتلك سنته تتلى على الناس في آيات بينات الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون,, ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين , والصدق مع الله هو السبيل للصدق في جميع الاحوال والهدايه الى البر وحسن العاقبه والمصير، وهذا مايؤكده نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في قوله :إن الصدق يهدي الى البر وإن البر يهدي الى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي الى الفجور، وإن الفجور يهدي الى النار، وان الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا . والصدق وهو يهدي الى البر ليس مقصوراً على شأن اوحال دون حال. وعندما يكون مصدره معرفة الله وخشيته تكون غاية الانسان حين يصدق ان يرضى ربه ولو أدى الصدق الى زوال منفعة, وتكون طمأنينة بالصدق طمأنينة بذكر الله الذي تطمئن بذكره القلوب, واتصاله بالعقيدة على هذا النحو يمنحه روح الثبات والقوة والشمول والتجرد من المنافع والرياء الكاذب, انه يصدق لان الله امر بالصدق وسيجازى عليه والله جل شأنه يعلم ماتبديه النفوس وماتخفيه الصدور,, فاحذروه أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين . ان من الخداع للنفس والظلم لها أن يتصور أن الكذب يجر نفعا اويحقق ربحا إنه وهو يهدي الى الفجور يستدرج صاحبه الى دمار وخسران, وإن من اعظم الظلم الكذب على الله باستباحة ماحرم او تحريم ما أحل ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم . إن الصدق عنوان كرامة وشجاعة وتعاون وبر وجهد صبور,, لأن الصدق عمل وسلوك يبرهن عن صدق نية وشرف غاية,, ومن لايحسن عمله لايكون صادقا وقد كتب الله الاحسان على كل شيء ومن لايفي بالعهد لايكون صادقا فإن الوفاء بالعهد من صفات الصادقين المتقين ومن ينشد ربحا عاجلاً وهو كذوب يفقد العاجل والآجل، و التنشئة على الصدق رسالة أمة تتضافر جهودها على الوفاء بتحقيق هذه الغاية بشتى الوسائل من القدوة الحسنة والتربية ورعاية المثل العليا ومكارم الاخلاق وألايكون في وسائلها مايناقض ذلك او يخالفه, فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ومع الطمأنينة امن وثقه وتعاون وإخاء ومع الريبة خوف وسوء ظن وتراخ وجفاء والصدق نجاة لصاحبه أي نجاة,, يقول كعب بن مالك رضي الله عنه عندما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم توبة الله عليه في آيات تتلى في سورة التوبة: يارسول الله إن الله تعالى إنما انجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا مابقيت , فلنستجب لنداء الله ونحن ننشد الفلاح والنجاة ولنكن جميعاً مع الصادقين قال تعالى (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين), والله ولي التوفيق. محمد حيدر منصور الشيخ