حرب واضطرابات، فقر ومجاعات، احتلال واضطهاد، قتل ودم... «واقع المأساة» هنا ليس الرابط الوحيد بين تلك الالفاظ!! بل يوجد ما هو أشد «عرى» ووثاقاً منه، إنه رابط «العروبة» فقد اتفقت تلك المعاني وانسجمت لتحدد مصيرها وهويتها القومية، فاستحقت وبجدارة ان تنال ذلك الحلم العصي «الوحدة العربية» بعد أن عظمت روابطها وضربت في عمق الفكر والثرى العربي، وبعد أن رضعت واقع العرب رضعاً. فتحية إجلال وتعظيم لتلك المعاني العصامية الدامية، هنيئا لك استغلالك لروابط الدم والمصير وروابط المكان والثقافة والتوجه.. هنيئا لك «وحدة» جعلتيها واقعا نعيشه ونتلمسه الآن بعد ان أعيت تلك الوحدة الكثير!!. إنه التصور المضحك المبكي لتلك المتلازمة الفريدة بين «المأساة» و«العرب» فتلك هي القناعة الناصعة لكثير من العرب فما أن ترى تلك إلا ويتبادر اليك تلك!! «المأساة» و«العرب» وجهان لعملة واحدة «سكت» من قديم، هي عملة قد اهترأت ولكنها رائجة وتصرف في أسواق الوطن العربي، يصرفها كل «لاه» وراغب في الترويج والتسويق لمعاني الزيف والجود والظلم والقهر. فها هو المستثمر الأجنبي يباشر مهام صفقاته في «السوق العربية المشتركة» بعد أن أصبح الوطن العربي معملا وحقلا للتجارب والممارسات الدنيئة، من قوى رضعت وفُطِمت على الغدر والظلم، قوى جعلت من الوطن العربي وكراً لممارسة «الرذيلة الحضارية» بكل معانيها، قوى انتهكت كافة القوانين والأعراف الدولية، ومارست الاستعمار الحديث في أبشع صوره، قوى تتعامل معنا وكأننا دول وشعوب بلا هوية أو ثقافة أو رسالة، قوى أرثت الشر ودقت بين الجميع «عطر منشم» ليثور الحابل على النابل، قوى لم تستطع ان تنسلخ من الغريزة الفارقة لجنسها عن الاخيار، قوى ادعت الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.. وأبى أصلها إلا أن يزكم أنوفنا!!. فأي حروب تحريرية وأي نشر للديمقراطية وأي تأسيس للمدنية تلك التي يتشدق بها مجرمو وطغاة الحضارة والانسانية، العراق شرقا، والجزائر غرباً، وفلسطين شمالا، والسودان والصومال جنوبا.. وما بينهما أدهى وأمر!! وهكذا ما ننفك إلا ونرى في كل جهة من جهات الوطن العربي جرما قد ارتكب في سبيل السمو والحرية والعيش الكريم؟!. قوى الغرب تدعي «الملائكية» في كل شيء وتطالب بها في كل شيء وما أن يتغلب طبعها على تطبعها إلا وتكشف لنا عن وجه مسخ قبيح «لبست له جلد النمر» فحق للافغان ان ينعموا بالديمقراطية الأمريكية!! وحق للعراقيين ان يرفلوا بالحرية الأمريكية!! وحق للفلسطينيين أن يزهوا بالوطن!! انها أمريكا ترغمك على رؤية الابيض أسود والأسود أبيض وما عليك إلا أن تقول نعم، وإلا فنصل السيف لك. جاءت بالخوف وعدم الاستقرار لأفغانستان وقالت هي ديمقراطية، فقلنا إي والله!! جاءت بالسلب والنهب والخراب للعراق، وقالت تلك حرية، فقلنا: إي والله! أذاقت الفلسطينيين صنوف الذل والهوان، وقالت تلك مفاوضات سلمية وبداية للطريق، فقلنا: إي والله!! فأي فِطَر منكوسة وأي حقائق مغلوطة تلك التي ترهبنا بها قوى الغرب؟! تلك جهة.. ولكن!! في الجهة المقابلة أمر لا بد من التعريج عليه بموضوعية وبعيداً عن تبرير متكلف أو لائمة جالدة للذات، وهو محاسبة النفس والتقييم الذاتي ومحاولة تدارك القصور ومواطن الخلل قبل ان نلوم الآخر ونحمله الوزر، بمعنى لا بد من تفعيل مبدأ المراجعة والتقليب لكل مجد تباهينا به يوما من الأيام. ذلك يقودنا الى أن نتساءل، هل ما نعاني منه اليوم من الوهن والخور والذل حصاد لما زرعنا وما هو إلا تبعات «لتخمة حضارية تاريخية» رَكنَّا الى سحرها القديم وتجلمدنا حولها دون أنَّ نواصل مسيرة الاصلاح والتجديد، فأفرزت أمراضا مستعصية - شلَّت حركتنا؟! أم هو القضاء والقدر؟ أم هي موازين القوى؟! أم هو مصيرنا وحسب؟! بصدق لا أدري!!.