تتجدد في كل عصر وجيل، مصطلحات فكرية وسياسية واجتماعية وتربوية وأدبية، وغيرها كل واحد منها يعبّر عن مدلول معين، حسب الوجهة المطلوبة، نلمس مثل هذا في المذاهب واللقاءات في أي مكان، وينعكس أثرها واصطلاحها، على الديار الاسلامية، والبلاد العربية بنفس المدلول، أو بمفهوم مغاير يتلاءم مع البيئة التي أشار اليها هذا المدلول. ولعل أبرز ما نلمسه التصارع بين الرأسمالية والاشتراكية.. فالأولى تعرف باليمين والثانية تعرف باليسار، ولعل هذا من باب التشبيه باليدين، إذ للإنسان يد يمنى ويد يسرى، ولكل منهما قدرة في العمل والتصرف. فإذا زاد أصحاب اليمين، مغالاة وتشديداً في مبادئهم وأفكارهم ومقاصدهم، أياً كان نوعها اطلقوا عليهم «أقصى اليمين»، وهكذا أصحاب المنحى الآخر، حين يطلق عليهم أقصى اليسار، وأحيانا يطلق عليهم اليمين الوسط، أو المعتدل، ثم المتعصب إذا كان متشدداً، ومثل ذلك اليسار الوسط، أو المعتدل ، ثم المتشدد أو المتطرف، كما برز مصطلح جديد لأغراضه وهو الارهاب. وهذا ما نحسه ونلمسه فيما نقرأ ونسمع على الساحة الدولية وفي الإعلام، بعد ان ترابط العالم ثقافيا وإعلاميا، وأصبح الانسان أينما كان ليس بمعزل عما يدور في أنحاء أخرى من الأرض. وفي كل زمان يجدُّ مصطلح جديد حسب الأهداف كما هو الواقع مع الارهاب. وهذه الآراء، وتلك المصطلحات، ليست قاصرة على أمر بعينه.. بل نجدها في الأمور السياسية والاقتصاد والأدب وعلم الاجتماع والتربية.. وهي ليست ذات مقاييس ثابتة ولا بحسب مصطلحات ودلالات اللغة العربية، التي تحدد مفهوماً معيناً لكل دلالة لغوية. وكثير من الناس يسيرون وراء ذلك الركاب، ولا يدرون ماذا يراد وراء تلك المصطلحات؟ بل تعلق أحياناً من باب التنفير من شخص، أو مبدأ دون تدقيق فيما يدور حوله من أعمال مغايرة لهدفهم، وقد كان للاسلام نصيب من هذه المصطلحات، فصرنا نسمع عن: التطرف الاسلامي، الغلو الديني، الأصوليون، المتشددون الى آخر هذه المصطلحات المفتراة، والتي ما زال في الجعبة منها الكثير، ما دامت المعركة تدور رحاها بين الاسلام وخصومه الألداء، وهي مصطلحات تختلف في دلالتها ومفهومها عما عهدناه في المؤلفات والمراجع التي اهتمت بالملل والنّحل، في تاريخ الاسلام الطويل.. إذ المعهود في ذلك عدم اطلاق المصطلحات العامة، أو الكلمات المطّاطة. وعندما نقرأ لعلماء الاسلام الذين كتبوا عن النّحل والملل، نجدهم يعرّفون كل صاحب مذهب بما برز عنده من آراء، خالف فيها مفهوم أهل السنة والجماعة، وما سار عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان، مع أسباب التسمية والنسبة ونقطة الخلاف. وفي الغالب هي نسبة شخصية، لمن انتحل هذا المذهب، أو ابتدع ذلك الرأي ويعترف به من سار على نهجه أو ترسم خطاه في تبني معتقده، وعندما نرجع لقواميس اللغة، فإننا لا نجد لكثير من المصطلحات الحديثة دلالة ثابتة، أو ذكراً فيما مرّ بالمسلمين، من مذاهب عقدية أو فكرية. ولكننا نجدها في بعض معاجم اللغة ذات دلالة لفظية عامة. فمثلاً ذكر الزبيدي في تاج العروس: غلا في الأمر غلواً، جاوز حقه، وفي الصحاح: جاوز فيه الحد، وفي المصباح: غلا في الدين غلواً: أي تشدّد وتصلّب، حتى جاوز الحدّ. وقال ابن الأثير: الغلوّ في الدين، البحث عن مواطن الأشياء، والكشف عن عللها، وغوامض متعبّداتها. وقال الراغب: أصل الغلو تجاوز الحدّ. ثم يبيّن دلالتها في تجاوز الحدّ في كل أمر بحسبه.. ولذا نرى دلالة الكلمة: في القرآن الكريم قد قيدت الغلوّ بالدين، حسبما جاء ذلك في مخاطبة أهل الكتاب: لأن النصارى تجاوزوا الحدّ في المعتقد وافتروا على الله، وزادوا في تقديسهم لعيسى بأن جعلوه ابناً لله واعتبروا الألوهية ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، فبذلك سمى الله سبحانه عملهم هذا غلّوا، لأنه خالف أمر الله، وقالوا على الله بغير حق. وقد أورد ابن كثير في تفسيره قصة مؤتمر النصارى في الاسكندرية، في حدود عام 400ه، واختلافهم أحزاباً، وكان عددهم أكثر من ألفين من الأساقفة، ورأى قسطنطين وكان فيلسوفاً داهية، ترجيح رأي 318 منهم اتفقوا على رأي واحد فبنى الكنائس على رأيهم، ووضع الكتب والقوانين، وهؤلاء هم الملكانية، مما ندرك معه منشأ الخلافات في النصرانية واليهودية، لأنها باتباع الهوى، والقول على الله بغير حق. وإذا لم يرجع المسلمون في كل أمر الى كتاب الله وسنة رسوله، فإنه سيحل بهم ما حلّ بأولئك من الفرقة والاختلاف. ومنهج الإسلام: هو الوسط في العمل والسلوك، فليس متطرّفاً كاليهود الذين تطرفوا في كثير من معتقداتهم وأعمالهم من باب المخالفة، ففسروا شريعتهم بما تصف ألسنتهم، وما يوافق أهواءهم، وتطرفوا في حكمهم على عيسى وأمه مريم، بما أطلقوه من بهتان، وفي المدينة بإيذائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخول عبدالله بن سبأ الاسلام تستراً لإفساده بما يبثه من سموم وأفكار. فالإسلام وسط بين غلوّ النصارى، وتطرف اليهود. فمن تأثر بهؤلاء أو هؤلاء، فإن أمة الاسلام تتبرأ منه، كما قال ابن عيينة: من فسد من عبّاد المسلمين ففيه شبه بالنصارى، ومن فسد من علمائهم ففيه شبه باليهود. إن هؤلاء وهؤلاء، لم يقفوا عند هذا الحد، بل تبنّوا أصحاب الآراء الشاذة، ووجهات النظر والمعتقدات المخالفة لمنهج الاسلام، وحرّضوهم على الشغب والإيذاء، لينسبوا عملهم للاسلام، وليصفوا اهتمام المسلمين بدينهم بالغلوّ في الدين، والإرهاب دون تفريق أو تمحيص، لإدراكهم أن الاسلام الصحيح النّقي، هو أخطر عليهم من كل ما عداه من دعوات، حيث ينفذ الى القلوب بقناعة، ويؤثر على المجتمعات بيسر وسهولة، وترغب فيه النفوس بطواعية واستسلام، فيشعر الفرد بأنه وجد الضالة المنشودة، والعلاج من المشكلات الاجتماعية:{أّلا بٌذٌكًرٌ اللّهٌ تّطًمّئٌنٍَالقٍلٍوبٍ}. إن اليهود الذين نبت الحقد في قلوبهم، قد أزعجهم دخول الناس في السنوات الأخيرة في الاسلام أفواجاً: في أمريكا وأوروبا واستراليا وغيرها.. فجدّوا واجتهدوا في إطفاء نور الله، وتسخير الإعلام للتضليل وتمويه الحقائق، وتجسيم خطر الاسلام، وما يحصل على الغرب من صحوة المسلمين. حيث وصموا الاسلام بالارهاب. ووصفوا شرع الله بالتحريض عليه. لقد ذكرت صحيفة «اسبرسو» الايطالية، منذ فترة أن عدد الايطاليين - ضمن تحقيق موسع - الذين دخلوا الاسلام بعد تركهم المذهب الكاثوليكي، أخذ يتزايد بشكل ملحوظ سنة بعد أخرى، مما حدا بالفاتيكان الى الاعراب عن قلق ملحوظ إزاء هذه الظاهرة، كما هي الحال بعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، ان زادت الرغبة في فهم الاسلام والقراءة عنه في أمريكا وأوروبا بصفة خاصة، وفي غيرها عموماً، فأصبح الكتاب الاسلامي هو الأكثر رواجاً ومطلباً. ولأن اليهود - الذين ضربهم الله بالذلة والمسكنة - جبناء لا يبرزون عادة للمواجهة، فقد حركوا بإعلامهم وأموالهم، رجال الفكر والكنيسة، واستقطبوا أفراداً أو بعض المنتسبين للدين الاسلامي: اسماً أو انتماء بدون عمل، واقتنصوا بحبائلهم كثيراً من راغبي الشهرة وطالبي الظهور، فجعلوهم في المواجهة لمحاربة الاسلام، وذبذبة الأفكار لدى محدودي الفهم ضعاف النفوس، لمعرفتهم ان الاسلام لا يمكن التسلط عليه إلاّ من داخله، ولن تصلح الأمة إلا بسلامة عودتهم الى دينهم، واقتفاء أثر صحابة رسول الله في القول والعمل. ولذا نراهم اليوم يكثفون أعمالهم ومغرياتهم التفسيرية لما يريدون. إيذاء اليهود لموسى: : روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن موسى عليه السلام، كان رجلاً حييّاً ستِّيراً، لا يُرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني اسرائيل فقالوا: ما يتستر هذا الستر، إلاّ من عيب فيه، في جلده، إما برص، وإما أدره وإما آفة». وإن الله عزوجل أراد أن يبرئ نبيّه مما قالوا لموسى عليه السلام، فخلا يوماً وحده، فخلع ثيابه على حجر، ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى الى ملأ من بني اسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله عزوجل، وابرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه: ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، قال فذلك قوله تعالى.. ثم تلا الآية السابقة. وفي رواية قال بنو اسرائيل لموسى بعدما صعد الجبل، هو وهارون عليهما السلام، فمات هارون: أنت قتلت هارون، فقد كان ألين لنا منك، وأشد حياء، فآذوه من ذلك، فأمر الله الملائكة، فحملته فمروا به على مجالس بني اسرائيل، تكلمت بموته، فما عرف موضع قبره إلا الرخم، وإن الله جعله أصمَّ أبكم، وهكذا رواه ابن جرير، علي بن موسى الطوسي، عن عباد بن العوّام به، ثم قال: جائز أن يكون هذا هو المراد بالإيذاء، وجائز أن يكون الأول هو المراد، فلا قول أولى من قول الله عزوجل [تفسير القرآن الكريم :520].