المصطلح لفظ يدل على دلالة ذات أبعاد متجذرة في ثقافة معينة، يتم الاتفاق عليها واختزالها في لفظ مفرد أو مركب. بعض المصطلحات تكون خاضعة لحقلها المعرفي من حيث اتساعها أو ضيقها دلالياً، كالمصطلحات العلمية، فمصطلح الطائرة مثلاً يكاد يكون محصوراً حالياً في ذلك الجرم المحلق في السماء، ولا يستدعي معرفياً دلالات أخرى تشير إلى ثقافة أخرى، والأمر يختلف تماماً في استخدام مصطلحات ذات بعد شرعي ثقافي اجتماعي، وما لم يتناد النخبة في المجتمعات بضرورة حد مثل هذه المصطلحات، ووضع تعريف جامع مانع لها، سيكتوي المجتمع بلهيب أزمة المصطلحات ويعيش متاهاتها، ما يؤدي إلى تباعد في المواقف، وتحول الحوارات إلى خصومات يحاول فيها المتحاورون إثبات ما لديهم باعتبارها حقاً من دون البحث عن الحق والرجوع إليه، وستتسع دائرة التطرف المؤدي للعنف لزيادة المساحة المختلف عليها. ومن الطرائف أنني في جولة حوارية مع طالباتي في الكلية طلبت منهن إعطائي تعريفاً عن التطرف، ووجدت تبايناً شديداً في إعطاء تعريف له، حاد ببعضهن ذات اليمين وبالأخريات ذات الشمال، ولا أنكر تعريفات تدل على نضج الفتيات وسعة مساحة الثقافة لديهن، لكنني شعرت بالتقصير والتأخر في رسم تعريف لمثل هذا المصطلح، الذي يعد من أكثر المصطلحات تداولاً على ألسنة الساسة والإعلاميين والمثقفين والعامة، وينذر بأزمة مصطلح تورث دائرة من النزاع والخصومات، وتعد مرتعاً خصباً لتصفية الحسابات على حساب الوطن وعقول أبنائه. إن التطرف كلمة لها مدلولاتها اللغوية والشرعية التي لا بد أن يقف عليها من أراد أن يتناولها، وإلا جاءت تفسيراته لا تمثل إلا رؤيته الشخصية واستنتاجاته الفردية وأحادية رأيه من دون إقامة اعتبار لثقافة المصطلح، إن التطرف في العربية يعني الأخذ بأحد الطرفين والميل لهما: إما الطرف الأدنى أو الأقصى، والوقوف في الطرف بعيداً عن الوسط، والتطرف هو مجاوزة حد الاعتدال والتوسط، ومفهومه في هذه الأزمنة: الغلو في عقيدة أو فكرة أو مذهب. والتطرف في جميع الأحوال ظاهرة مرضية تعبر عن حالة غضب واحتقان، ومؤشر على وجود خلل ما في النفس الإنسانية أو في الظروف التي تحيط بتلك النفس، والإنسان السوي بطبيعته يرفض التطرف ويضيق بالعنف، لأن الفطرة السليمة تأبى ذلك، وتنفر منه، وإذا كان مصطلح التطرف لم يرد في القرآن ولا في السنة، فقد وردت مصطلحات مرادفة له تحمل الدلالة نفسها وترمي إلى المفهوم نفسه، ويظهر أن مصطلح الغلو هو أكثر تلك المصطلحات تعبيراً عن معنى التطرف، لأنه يعني مجاوزة الحد، كما أنه أكثر وروداً في النصوص الشرعية وخصوصاً في السنة النبوية. ولما كان التطرف بعيداً عن الوسط ونقيضاً له، فإن القرآن نص على خاصية الوسطية لكونها إحدى الخصائص العامة للإسلام وأبرز المعالم الأساسية التي ميز الله - تعالى - بها أمة الإسلام عن غيرها فقال:"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً"، فالأمة الإسلامية أمة العدل والاعتدال التي تشهد في الدنيا والآخرة على كل انحراف يميناً أو شمالاً عن خط الوسط المستقيم. وكل من حاد عن الوسطية كان متطرفاً سواء كان تطرفه يمينياً أو يسارياً، فالتطرف الأول يقود إلى التكفير والتفجير باسم"الجهاد"والآخر يقود إلى إنكار الثوابت الشرعية وإهدار القيم الإسلامية باسم"الحرية"، وكلاهما وجهان لعملة واحدة، يصدق عليهما قانون نيوتن بأن لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويضاده في الاتجاه، فالغلو مذموم والتحلل مستهجن، ولابد أن يعاقب كل المنتسبين لهما. وقد أشار الأمير سلمان بن عبدالعزيز في كلمته للمثقفين السعوديين إلى نوعي التطرف بقوله:"فكل شيء يتعارض مع عقيدتنا وتعاليم ديننا نرفضه بلا غلو ولا تفريط، فكلما فرطنا زاد الغلو، وكذلك العكس، والإسلام يرفض المغالين والمفرطين رفضاً باتاً، فنحن أمة وسط".إن علينا أن نسعى لإرساء فهم صحيح لمصطلح التطرف، نجعله رسالة حضارية راقية لنحمي به أوطاننا، ونخرج به من دائرة الصراع والاختلاف إلى دائرة الاجتماع، ونكون من أهل الرحمة قال تعالى:"ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك". * أكاديمية وداعية سعودية. [email protected]