هل سبق لك أن خضت مع فرد ما هوشة مريرة انتهت بصداقة حلوة بينكما..؟! أو «عمرك!» أحسست بمزيد من القرب المشاعري تجاه من تخالفت معه؟ إن النفوس تحتر وتبرد مثلها في ذلك مثل الجسم، غير ان المشكلة هنا هي ان حرارة النفس الإنسانية ليس لها «مكيفات» تبريد مثل ما للجسم. ومهما كانت أسباب الهوشة فهي وسيلة لغاية.. حتى لو خرجت عن السيطرة، فقد تكون مجرد اصطدام بين عادتين متجذرتين، وحين يتم أخذ هذه الحقيقة في الحسبان فالأمر هين بسيط، غير ان المشكلة هي حين تنحرف الهوشة عن مكانها بين عادتين وتتطور لتصبح هوشة بين شخصين أو شخصيتين حيث هنا قد يحدث التنافر وتتجسد القطيعة.. بل قد يقع ما لا تحمد عقباه. إذن فمن الواجب على العاقل هنا تذكر قول العرب ان «من أظهر غضبه قلّ كيده» بل وعليه أيضاً تذكر قول احفادهم «نحن» من أن «ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب»، وبما ان لا أحد في وقتنا هذا يأكل الزبيب بالشراهة التي يوحي بها المثل السابق فدعوني اقول ان في عتاب من تحب تجلية لموقف غامض لا تحب، وان في هوش الأحباب عملية تحرر من قيد ما.. تخفيف لقلق عارض.. ولذلك فقد تمثل «الهوشة» محاولة للامساك بزمام الموقف المفقود.. محاولة للسيطرة على الوضع أو للعودة به إلى ما كان عليه سابقاً، كذلك قد يكون السبب الخفي للهوشة هو تذويب مشاعر احباط ما قد يشعر به أحد الزوجين تجاه الآخر، أو قد تكون الهوشة لكسر رتابة ركود مشاعري طارئ، والمشاعر مثلها في ذلك مثل النظم الاقتصادية يحدث لها حالات من «الركود»، وكما ان هناك علاجات اقتصادية هدفها الحيلولة دون تطور الركود الاقتصادي إلى كساد «Depression» فقد تكون الهوشة أيضاً محاولة نفسية للخروج من عملية الركود العاطفي خشية تطورها إلى ما هو أسوأ من ذلك، بل ان الهوشة أزمة طارئة ومثلما ان في علم الأزمات ما يعرف بإدارة الأزمة فهناك أيضاً ما يعرف بالإدارة بالأزمة: والأخيرة هذه تعني اختلاق أزمة ما لغرض الخروج من حالة أزموية أخرى، فبعض حرائق الغابات لا تطفأ إلا من خلال اشعال حرائق أخرى كفيلة بالحيلولة دون امتداد النيران وانتشارها، عليه قد تكون الهوشة بين الزوجين مجرد أزمة تم اختلاقها لغرض حل أزمة أكثر منها تعقيداً، وعلى كل فالهوشة بين الأحباب هي في الأساس عملية تطهير نفسية/ ذاتية من حيث انها تتيح للزوجين أو للصديقين إذابة شكوكهما أو صراعاتهما الانفعالية على غرار قولهم ان «العتاب صابون القلوب». ختاماً قد تكون الهوشة بين الزوجين لا سيما حين تقع في مراحل مبكرة من زواجهما جس نبض واختبار قدرات وسبر غور لما يمكن ان يحدث، بمعنى ان غرضها قد يكون استشراف ما لا يمكن التنبؤ به بطرق عادية، وهنا يتعين القول ان الهوشات تكثر في الصيف مقارنة بحدوثها في الشتاء، والثابت احصائياً في الغرب ان معدلات الطلاق تزيد في الصيف عنها في فصل الشتاء، ولذلك العديد من التعليلات التي لا حيز لها هنا غير انه قد يكون من ضمنها حقيقة تحالف حرارة الجسد مع حرارة النفس مما يتسبب بالتالي في انطلاق شرارة الفراق أو حتى رصاصة الطلاق..