كم أوغل الزمن بي.. وكم نأى بكِ.. منذ أن غمستُ صوتي في غمْد الصَّمت..، وأنا ألهث إليكِ.. بكِ.. تعرفين كيف يكون الركض بكِ.. إليكِ.. ما أبهى بهاءكِ تتبسَّمين في ثقة.. حتى وأنتِ طيف لا يبارح الجفون.. تعالي أحدِّثكِ.. والحديث معكِ.. ولكِ له زخم الورد..، ونشوة الكادي..، وعنفوان الشوق.. وأنتِ يا جوريَّة الزهور.. ويا كاديَّة البريق.. ويا ناهضة في نسغ الأشواق.. ذات لحظة، قلتُ أرخي عنان الحرف، وكيف يُرخى عنان الحرف؟.. أتذكَّر أنَّكِ علَّمْتني ذلك، حين تضجُّ بي الدلالات..، وتتزاحم في صدري المعاني، وتشحذ قوادم جوادي، أركض بها فوق الورق..، أعنَّةٌ لا تقف، تكرُّ، وتفرُّ.. كنتِ تقولين لي: تعالي لكوبٍ من القهوة معي.. وفي الصباح على زقزقة الكناري، والعنادل، وأبخرة القهوة، ورائحة رغيف الخبز..، كنتِ تُلجِمين عنان حرفي..، تشغلِينني بكلِّ هذا المدى الملكوتي الذي تأخذينني إليه.. على وجهك كنتُ أقرأ تفاصيل الورد، ورائحة الكادي، وعنفوان الشوق! وعلى صورته المنعكسة في نهر القهوة بين عينيَّ، كنتُ أقرأ درب الحرف، وهو يتجه إلى ملجأ السكون.. هناك.. معكِ كان حرفي يتهيَّأ للارتخاء في نعيم الاحساس بكِ، هنا بجواري..، معي..، لا تغادرينني مطلقاً.. وأحدِّثكِ كثيراً.. كثيراً.. ولا أصمت معكِ أبداً.. أبداً.. فأنتِ من فيكِ تختصم أموري، ومن بكِ تُحَلُّ عُقدها، ومن بكِ يتحقَّق الحُكْم المطلق ببراءة الصِّدق.. يا أنتِ يا واحدة في فؤادي..، كم من الزَّمن مضى، وقلمي ما راودته إلا حروف اسمكِ..؟، ولا شاكسته إلا تقاطيع رسمكِ..، ولا هيمنت عليه إلا قِيَمُكِ..، ومعانيك..، وذلك الحنين الجارف المنسدل في شلاَّل يتدفق ضوئي يأتي من صوتكِ العبقريِّ. نوّارة.. ثمان عبرن على رحيلكِ.. يا حبيبتي، وأنتِ تشمخين بصمتكِ داخل حِسِّي.. ثمان عبرن وأنتِ لا تزالين يقظةً في مسامّ ذاكرتي.. وخلاياها.. ثمان انطوين، وأنتِ أعذب من يلهمني كلماتي.. وأفعالي..، ومن يغذِّي صبري.. وصوتي.. ويراعي.. ومن..، يمنحني صدق الحياة كي أبقى..، وصدق كلِّ الصدق كي أكافح.. وكي تكون شيئاً يسيراً لا يُعيق سراتي نحو آماد أبعادٍ أنتِ من رسمها..، أنتِ من لوَّنها..، أنتِ من سألني أن أكونها.. فكنتُ.. لبّيكِ نوَّارة.. فالحديث معك لا تُرخى له أعنَّة.. لا تُلْجَمُ له قوادم.. لا يصمت له صوت.. ولا صمت.. ولا حزن..