تهاديا إلى القاضي في موعد جلستهما فقال أحدهما إني أطالب الآخر بمبلغ قدره كذا لقاء كفالته لفلان ابن فلان الذي حل دينه ولم يسدد لي منه شيئاً وهذا كفيل غارم له فسأل القاضي الآخر عن قول صاحبه فقال: إنه صحيح ولكني محسن أريد الخير والمكفول لم يسدد وقد ورطني ولا أمانع من أن يكون هناك سداد من قبلي لهذا الرجل، ولكني أريد أمداً فقال له القاضي وكم هذا الأمد قال أربعة أشهر أو تزيد فقال القاضي لصاحبه ما قولك؟ قال: إني أعطيه ثمانية أشهر فلما أراد القاضي أن ينهي الأمر وأراد أن يكتب المدة قال المدعي للقاضي لا تجعل الأمد في الحكم حتى يستطيع أن يستخرج المدعى عليه حقه من مكفوله سريعاً، فعجب القاضي من قوله وقال لصاحبه ما تقول؟ قال: إن خصمي هذا المدعي ثقة ثبت وارتضي قوله وأقبل كلامه وهو يسعى لمصلحتي حقاً ولذلك لا تكتب شيئاً فلاحظ القاضي من المدعي شهامة ورجولة وكلاماً من كلام الرجال الأقوياء الذين يوفون بكلماتهم ويزنونها حق وزنها ثم قال إني معطيه عشرة أشهر وليست ثمانية ولكن لن أقول له شيئاً ولن أطالبه بشيء إلا بعد عشرة أشهر من هذا اليوم فأنهى القاضي الأمر بينهما وخرجا متماسكي الأيدي يثني بعضهما على بعض وهكذا هي الشهامة والرجولة، فالمختصمون قديماً كانوا يختصمون عند القاضي لاشتباه الحق عليهم أو لتحديد آجال يضربونها فيما بينهم ولم يكونوا كحال كثير من الناس اليوم يتمايلون بالعبارات ويتحايلون بالحركات ويفترون بالكلمات ليغيروا من واقع القضايا فإن الله -سبحانه وتعالى- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما أقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من نار فإن شاء فليأخذ أو ليدع»، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب لقي الله وهو عليه غضبان» قيل يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً، قال: وإن كان قضيباً من أراك» ولهذا يتساهل كثير من الناس ويظن أن استئجاره لمحام يظهر حقه ليكون قوة في التلاعب وما علم المسكين أن المحامي لا يقدم ولا يؤخر شيئاً وأن الأصل هو معرفة الحق واظهاره وبالله التوفيق.