ظلمت كثيراً المرأة المثقفة في مجتمعنا من قبل نفسها اولاً ثم من المجتمع، حيث ظنت بعض المثقفات انهن بالغرور والتعالي سيحصلن على مكانتهن المهدرة بالمجتمع، ثم ظلمتهن نظرة الآخرين التي لم تتغير حتى بخروج جيل كبير من المثقفات ثقافة حقيقية ليست بوهمية، وكعادتها جريدة الجزيرة تطرح مواضيع لها اهمية، وفيها الحرية للقراء ليعبروا عن آرائهم مهما اختلفت، ومن هذه المواضيع المهمة «موضوع المرأة المثقفة وما تلاقيه من صعوبة» الذي اثاره الكاتب الاجتماعي عبدالرحمن السماري، وظهرت بسببه ردود منوعة، واتمنى ان تتاح لي فرصة ابداء رأيي البسيط في الموضوع. وقبل ان نتحدث عن المرأة المثقفة وسلبياتها وايجابياتها، وعدم تقبل بعض فئات المجتمع لها لابد ان نعرف الثقافة وما هي!؟ وعلى الرغم من تعدد التعاريف فيها الا انها جمعت في تعريف يقول: «الثقافة هي المخزون الحي في الذاكرة، كمركب كلي ونمو تراكمي.. مكون من محصلة العلوم، والمعارف، والافكار، والمعتقدات، والفنون، والآداب، والاخلاق، والقوانين، والاعراف، والتقاليد، والمدركات الذهنية والحسية، والموروثات التاريخية، واللغوية، والبيئية.. التي تصوغ فكر الإنسان وتمنحه الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تصوغ سلوكه العملي في الحياة..». وايضاً «الثقافة اخيراً عبارة عن مقاييس اخلاقية ونظرة عامة الى كل جوانب الحياة الروحية والمادية تؤثر في السلوك والعادات وتهدف الى رفع مستوى الإنسان الى الاحسن والافضل وتتناقل من جيل الى آخر عن طريق اللغة والمحاكاة ويمكن القول ان الثقافة هي كل ما كونته الامة اية امة من افكار ومعتقدات وادب وفنون وكل ما يقدمه الفكر في مجالات الحياة المختلفة وليس فقط ما جاء شعراً او قصة او رواية او مسرح او كتابة كما يعتقد البعض فهذه ليست سوى جزء من الادب، والادب ليس الا فصلاً من فصول الثقافة وليس الثقافة كلها». «إذن الثقافة هي الوعي المتطور للفكر الانساني وهي الانجاز الرائع لهذا الوعي». ثم سأسجل بشكل مختصر نقاط رئيسية: 1- الثقافة لا تباع ولا تشترى ولا تولد مع الإنسان ولا تتوارثها الاجيال!.. بل هي امر عظيم يصنعه عقل الإنسان بنفسه بكرم من الله وفضل. 2- ليست الشهادة العلمية إثبات لثقافة الإنسان، فهناك كثيرون حاصلون على شهادات جامعية ماجستير ودكتوراه ومع ذلك قمة في التخلف الفكري والرجعية والزيغ!.. فإذن الشهادة ليست مقياس عام على ثقافة الإنسان!.. فلو تستروا بشهاداتهم وادّعوا الثقافة فلا شك تكشفهم للمجتمع افكارهم وآراؤهم وعاداتهم وتعاملاتهم وهم كمن تنطبق عليه هذه المقولة:« قد تخفي الثياب الجميلة حقيقة الإنسان، لكن الكلمات الحمقاء سوف تكشفه بسهولة!!». 3- انقسمت الثقافة هذه الايام الى ثقافة دينية بحتة غير مندمجة مع الحياة التي نعيشها والى ثقافة سطحية هزيلة كلها عن ملاهي الدنيا من فن وطرب وتمثيل ومجلات فنية وقصائد غزلية وممثلين ومطربين وراقصات وعارضات وافلام ومسلسلات. يعني المثقف دينياً وعصرياً نراه متضايق من قلة فهم الجميع له، لم يعرفوا ان ديننا الاسلامي دين ثقافة وواقعية ووسطية للمثقف والباحث ان يرتبط بربه ودينه ويستقي ثقافته من منابعها الاصلية ويثبت امام امواج المغريات والفتن وافلح من سار هواه في رضا مولاه. 4- يجب علينا مسح الصورة التي احيطت بالمرأة السعودية المثقفة التي ساهمت الكثيرات ممن يدعين الثقافة في رسمها وهي كالآتي:« امرأة متكبرة + ترتدي نظارة طبية+ تتكلف بحديثها+ بعيدة عن الالتزام بأمور دينها وعاداتها الاجتماعية النافعة+ لا تهتم بأسرتها ولا بزوجها+ ناقمة على المجتمع.. الخ». ومازالت هذه الصورة الكاذبة هي التي طبعت بقوة في اذهان بعض الناس مع الاسف. 5- لابد من معرف ان المرأة المثقفة موجودة بالمجتمع منذ القديم وخير قدوة لنا نحن النساء هي ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنه، حيث اذهلت الرجال بثقافتها الواسعة لكل العلوم وعقلها الفاهم لكثير من المعارف، وقد كانت اقرب الزوجات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولربما ان عقلها الراجح وبما من الله عليها ساعدها على فهمه صلى الله عليه وسلم والوصول الى كل ما يحبه ويريده. 6- التعامل مع الانسان المثقف رجلاً كان ام امرأة يكون سلسلاً وخالياً من التعقيد وله طعمه الخاص بحكم ما يحويه عقلهما من علم ووعي وتجربة وفكر. فهناك فرق بين التعامل مع المثقف وغير المثقف..!؟. فهناك فرق كبير في التفكير الواسع والمنطق البليغ والاسلوب الجذاب والابهار العام للشخصية وان كانت لا تملك الا الثقافة العريضة فقط.. فالعلم والمعرفة والوعي نعمة لا يحوزها الا من احبه الله «وعلمك مالم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيماً». 7- ثقافة الافراد تنهض بالأمم كما ان ثقافة المرأة ووعيها في بيتها ينهض بأسرتها ويقودها لدرب السلام والنجاح. وكلما كثر الجهل وقلة التفكير وضيق الافق عم الفساد بأي مكان!.. والمرأة المثقفة بمبادئها وقيمها الصالحة تبني اسرة ناجحة محصنة اساسها علم وكتاب وقلم، تعرف ما اخطار وقتنا الحاضر ومستقبلنا القادم، وما يتوجب عليها تجاه نفسها واسرتها ومجتمعها. ولا شك انها اكثر قدرة من غيرها على مواجهة المشكلات والقضايا في حياتها بفضل عقلها المتنور والمدرك لحقيقة المتغيرات والتطورات فتصبر وتعيد ترتيب اوراقها دون ان تضيع اي ورقة غير لو كانت امرأة جاهلة او بسيطة التفكير تعتمد على الآخرين في حل مشاكلها وما تواجه من مصاعب بحياتها، ولا احد يمكن ان ينكر ذلك!؟ وبالله عليكم ماهو الافضل في نظر اي عاقل متفكر ان يتربى جيل اليوم في حضن امرأة مثقفة او امرأة غير مثقفة!؟ خاصة في عصرنا هذا الذي يجبرنا اجباراً على ان نتقبله ونقبل مافيه بوعي وفهم.. وارجو الا نقارن بين امهاتنا وجداتنا وعصر قد مضى لان كل عصر وله نساؤه وما جرى فيه من خير او شر.. نحن نتكلم عن اليوم وعن واجبنا جميعاً من رجال ونساء.. فنحن نتعرض لغزو ثقافي من كل مكان يتضاعف يوماً بعد يوم. مما يلح علينا بطلب الثقافة الصحيحة الخالية من العيوب والخالية من التعقيد للرجل والمرأة والطفل، فلا يجب فقط السعي لنيل الشهادة الدراسية وذهاب السنوات هباءً منثوراً. واخيراً هناك نقطة احب ان اوضحها لمن يتهم المثقفة بأنها متعالية ومتكبرة بأمر واحد وهو انه من غير الممكن ان تكون من صفات المرأة المثقفة حقاً والواعية الغرور والكبر او التعالي لأنها لو كانت هكذا فهي غير مثقفة لأنها لا تعرف القاعدة التي تقول: من يتكبر على الناس يسقط من عيونهم، ومتى حسنت اخلاقك كثر محبوك. وهي خسرت اشياء مهمة تزيدها الثقافة وتعليها ومنها القدرة على التعامل الحسن مع من حولها وجذبهم، والثقافة هي التي تتحكم بأخلاقيات الانسان وتعينه على تربية ذاته، وتوجيهها للقيم والمثل السامية وتنمية قدراته ومواهبه. وان قضت حياتها فقط بين الكتب والاوراق فهذا ليس بعيب فيها ولا تهمة لها فهذا خير ما تقضى فيه الاعمار من طلب علم وقراءة واطلاع وبحث ولكن العاقلة من ارضت عقلها وقلبها واهل بيتها وردت الواجب لمجتمعها ولم تبخل عليهم بشيء من نفسها.