أسلوب الحوار فن من فنون العلاقات الإنسانية، كيف لا وهو حبل التواصل بين الناس فهو يربط بين العقول والقلوب خصوصاً اذا كان يعتمد على الصدق والصراحة. وهو بلا شك من وسائل التربية والإصلاح والتعاون على البر والتقوى قال تعالى:{لا خّيًرّ فٌي كّثٌيرُ مٌَن نَّجًوّاهٍمً إلاَّ مّنً أّمّرّ بٌصّدّقّةُ أّوً مّعًرٍوفُ أّوً إصًلاحُ بّيًنّ النَّاسٌ} والحوار ضرورة إنسانية ومطلب ملح لا يمكن الاستغناء عنه لذا يجب علينا تعلمه والسعي الى تطبيقه على أرض الواقع. ومما لا شك فيه بأن الاختلاف سنة من سنن الله عز وجل في هذا الكون، والحياة يحدث فيها اختلافات بين الناس في وجهات النظر وهذا أمر فطري وظاهرة صحية ولكن الناظر اليوم في أحوال الناس يجد ان هذا الاختلاف قد تحول الى خلافات حادة وعداوات ظاهرة تقطع جذور المحبة بين الناس وذلك بسبب غياب الحوار الهادف والبناء في الوقت نفسه أو لعدم المعرفة بأصول هذا الفن وآدابه.. والقرآن الكريم والسنة النبوية زاخران بالمواقف الحكيمة والحوارات النافعة التي تحمل بين طياتها الدروس والعبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فعلى سبيل المثال قوله تعالى: {قّالّ لّهٍ صّاحٌبٍهٍ وّهٍوّ يٍحّاوٌرٍهٍ أّكّفّرًتّ بٌالَّذٌي خّلّقّكّ مٌن تٍرّابُ ثٍمَّ مٌن نٍَطًفّةُ ثٍمَّ سّوَّاكّ رّجٍلاْ (37) لّكٌنَّاً هٍوّ اللهٍ رّبٌَي وّلا أٍشًرٌكٍ بٌرّبٌَي أّحّدْا} ، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً قلنا بلا يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت»، وفي الحقيقة هناك آفة وقع فيها الكثير من الناس وهي آفة الجدل المذموم الذي ينتهي بالسباب والقطيعة والتعصب للرأي وان كان خاطئاً والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بالابتعاد عنه فقال صلى الله عليه وسلم «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك الجدالاً ولو كان محقاً» ولا شك ولا ريب بأن هناك جدالاً محموداً وهو الجدال بالتي أحسن كما قال تعالى: {وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ} والهدف من الجدال المحمود الإقناع والوصول إلى الحق. وينبغي للإنسان عندما يجادل الآخرين ان يكون عنده علم فقد ذم الله عز وجل الذين يجادلون في الله بغير علم قال تعالى {وّمٌنّ النَّاسٌ مّن يٍجّادٌلٍ فٌي اللّهٌ بٌغّيًرٌ عٌلًمُ وّلا هٍدْى وّلا كٌتّابُ مٍَنٌيرُ}، والإنسان عندما يتكلم مع الآخرين يجب عليه ان يحترم نفسه أولاً وغيره ثانياً حتى يحصل على محبتهم فكسب القلوب أهم من كسب المواقف. ولكي يكون الحوار ناجحاً لا بد من توفر عناصر أساسية فيه أولا الدراسة الجيدة للموضوع المعد للنقاش ومعرفة سلبياته وإيجابياته ومعرفة شخصية الطرف الآخر خصوصاً نفسيته حتى يكون هناك مدخل عليه. ثانياً اختيار الوقت المناسب مهم جدا حتى يثمر بنتائج إيجابية وسليمة في عملية الحوار مع الآخرين. ثالثاً: الأسلوب الجيد وذلك عن طريق الكلمة الطيبة والقول الصادق والابتسامة الصافية وتحكيم العقل قبل الكلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم «رحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو سكت فسلم» وصدق والله من قال اللباقة براعة تكسبك الظفر في الجدل دون ان تكسبك عدواً. رابعاً: الاحترام للطرف الآخر مهما كانت منزلته وقدره وخاصة مع كبار السن وخصوصاً الوالدين { فّلا تّقٍل لَّهٍمّا أٍفَُ وّلا تّنًهّرًهٍمّا } . خامساً: التزام الهدوء وعدم الانفعال، فان رفع الصوت وسرعة الغضب من عوامل هدم الحوار لأنهما يضعان حواجز وعراقيل بين الطرفين ومن ثم يفسدان الحوار. سادساً: الاستعداد لقبول الرأي الآخر فانه من عوامل نجاح الحوار وخصوصاً إذا كان الإنسان على خطأ واضح وتبين له ذلك، وما أروع ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه «مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل» والحقيقة ان الحوار سلاح ذو حدين اذا لم يستعمل بشكل سليم كان ضرره أكثر من نفعه وقديماً قالوا «اللسان سيف قاطع لا يؤمن حده والكلام سهم نافذ لا يمكن رده». محماس بن عايض بن رسل الدوسري 7492 الخرج 11942