يتحول الانتصار في العراق الذي ألهب قدرا كبيرا من الحماس اللا عقلاني في واشنطن إلى ما يشبه المهزلة، يطالبنا العراقيين بالخروج وأن نحمل معنا أفكارنا الخاصة ببناء الدولة،لا نستطيع العثور على صدام حسين، الطاغية المهووس الذي لم نستطع تحمله يوما آخر بعد 25 عاما، على الرغم من أننا واثقون من أنه لم يعد يملك زمام الأمر. الأكثر أهمية، هو أن الحجة التي سوق بها البيت الأبيض هذه الحرب للأمريكيين-امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل شكلت تهديدا مباشرا لنا- ما تزال حتى الآن في حاجة إلى إثبات، أخذ القلق يساور بعض الذين صدقوا هذه الحجة وقبلوا بها، إذا ما كنت تريد غزو بلد ما دون استفزاز مباشر، فلا بد أن يكون المبرر أكيدا، قبل وبعد الواقعة معا، يبدو أن هذه النقطة تاهت في خضم الفرحة العامة، ما يعني أن القصف الانتقائي الذي أصاب العراق بالدمار لم يعد علينا بما هو مفيد. لكن الفائدة الوحيدة للحرب دون تحفظ كانت هنا في الداخل: حصول الجيش الأمريكي على احترام جدير به من الناس الذين لم يفهموا أو يقدروا المهارة المهنية لأفراد هذا الجيش أو ميزاتهم. تكمن المشكلة في أن بعض الأمور لا يمكن تطويعها بشكل جيد، يتمثل «المستند القانوني أ» في تنديد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بأجهزة الإعلام حين سألته حول لغز أسلحة الدمار الشامل. قبل الحرب أصرت الإدارة على أن لدى العراق مئات الأطنان من الأسلحة الكيماوية وآلاف الجالونات من الأسلحة البيولوجية، الآن يقول رامسفيلد إن علينا التحلي بالصبر، وأن العثور على أسلحة يمكن إخفاؤها بسهولة يستغرق وقتا، عفوا، السيد الوزير لكن أليست تلك هي ذات الحجة التي كان يستخدمها مجلس الأمن حين كنت أنت وآخرون عديدون تسخرون من مفتشيه؟لكن هذه مجرد خلفية من الضوضاء بالنسبة للمسألة التي تهمني أكثر: الحاجة إلى تحميل الرسميين المنتخبين مسؤولية ما يقولون ويفعلون، ليس هذا باقتراح ديمقراطي أو جمهوري، ليبرالي أو محافظ، لو كان بإمكاننا تحميل بيل كلينتون المسؤولية عن عبثه مع إحدى الموظفات والكذب حول هذا الأمر -وقد فعلنا. حتى وإن كان مجلس الشيوخ قد تراجع في النهاية- لكان بإمكاننا بالتأكيد أن نحمِّل الرئيس بوش المسؤولية عن مبرراته لأخذ البلاد إلى الحرب. تذكروا، أصر البيت الأبيض مرارا على أن العراق كان يمثل تهديدا للولايات المتحدة -ليس لإسرائيل، ليس لبريطانيا العظمى، وليس لغينيا بيساو بسبب أن رئيسا يقتفي أثر هتلر يملك أسلحة للدمار الشامل. قبلت أنا وكثير من الناس بذلك حتى وإن كنا قلقين من أن يكبدنا التوجه نحو العراق ثمنا باهظا بالانحراف عن المهمة الأكثر أهمية التي تواجهنا، وهي ملاحقة الإرهابيين إلى آخر نقطة في الكرة الأرضية وتدميرهم. بالتالي، فمن الأفضل أن يتمنى بوش العثور على كل تلك الأسلحة الكيماوية والبيولوجية الشنيعة. إن التقارير القائلة بأن عدد الموظفين الأمريكيين الذين يبحثون عن الأسلحة سيتم مضاعفته ثلاث مرات يبيِّن أن بوش يفهم بوضوح هذا الأمر. لن تسعف استطلاعات الرأي العام بوش كثيرا، يقول أحد هذه الاستطلاعات أن غالبية الأمريكيين قلقون من عدم عثور القوات الأمريكية على هذه الأسلحة، ويقول استطلاع آخر إن الغالبية تشعر بأن الحرب كانت تستحق مخاطرها حتى وإن لم يتم العثور على الأسلحة، يمكن للمرء، بالطبع أن يحصل على أية نتيجة يريدها من الاستطلاعات، لذا دعونا نضع الاستطلاعات جانبا ونضع الأمر في نصابه: إذا تم العثور على الأسلحة وثبتت صحتها، فسيحصل بوش على لحظة من رئاسته يقول فيها ألم أقل لكم هذا. سوف يكون مستحقا لمكافأة سياسية لحمله الضعفاء العصبيين على الإذعان ولحماية الأمة من أسلحة يسيطر عليها رجل معتوه. إذا لم يتم العثور على الأسلحة، فإن أفضل توضيح يمكن لهم أن يتصدقوا به علينا هو أن الأسلحة جرى نقلها خارج العراق بينما كنا نقوم بشق طريقنا قصفا نحو بغداد، أو أن لدينا أجهزة استخبارات فاسدة بدءا. ويمثل أي من هذين التوضيحين المحتملين عجزا وقصورا. الاستنتاج الأكثر تشاؤما هو أن بوش قام عمدا بتضليل الأمريكيين بهدف حشد تأييد لغزو العراق، أو ضلل نفسه عن غير قصد من قبل مستشارين قوميين، لايرتدي أي منهم زيا عسكريا، لا أدري أي هذين الأمرين أشد سوءا من الآخر، غير أن أيا منهما يقتضي تحمل ثمن سياسي باهظ.