من غير شك أن غزو العراق وسقوط بغداد واحتلالها أثبت هشاشة الكيان العربي، فلولا هذه الهشاشة لما استطاع الغازي ان يعبر إلى العراق عبر الأراضي أو المواقف، ومن أهم ما بدا واضحا من أزمة العراق أن المواثيق العربية مواثيق ورقية لا حظ لها من الارتقاء إلى المسؤولية التاريخية تجاه الوطن العربي، ومن أهم ما أعلنته الأزمة العراقية أن الانتماء القُطري (بضم القاف) أهم عند الدول العربية من الانتماء العربي، وأن المصالح القُطرية (بضم القاف) مقدَّمة على المصالح العربية حتى مع وجود المواثيق ومنها ميثاق الدفاع العربي المشترك. وفي ضوء هذا الوضع العربي المتردي انطلقت الدعوات لإلغاء الجامعة العربية قبل انطلاق الصواريخ وحاملاتها نحو بغداد، وطُرح إيجاد جهاز عربي بديل للجامعة وهذا الطرح لم يأت من خارج العالم العربي، بل من العرب أنفسهم. وللأسف أنه في الوقت الذي نرى فيه الاتحاد الأوروبي يزداد تماسكاً ويفتح المجال لدول أوروبية أخرى للدخول فيه نجد دولاً عربية تعلن عن نيتها الانسحاب من الجامعة العربية انطلاقاً مما أشرنا إليه سابقاً من أن نظرتها للجامعة نظرة قُطرية لا جماعية وأنها ما دامت ليست بحاجة إليها الآن فما فائدة عضويتها فيها؟ بل الأكثر وقعاً على نفوس الشعوب العربية أن بعض دول الجامعة تريد من الجامعة أن تكون رهن إشارتها فلا ترى إلا رأيها فإن لم تكن معها (حتى لو كانت محايدة) فهي ضدها استجابة لمنطق العصر (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، وليت هذه الدول نظرت قريباً منها حين اختلفت الدول الأوروبية واستخدم بعضها حق النقض (الفيتو) لم يؤثر ذلك على كيان الاتحاد الأوروبي، ولكن شتان بين من نظرته للكيان الكبير ومن نظرته لدولته التي ستبقى صغيرة مهما كبرت إذا خرجت من الكيان الكبير. الجامعة العربية منظمة إقليمية لا جيش عندها وليست أكثر من أنها كيان يشعر العرب بالارتباط، ووجودها استمرار لهذا الشعور، ولئن لم تحقق الآمال الآن فقد يأتي زمن تصل فيه إلى القيادة قيادات تقدِّم الصالح القومي على المصالح الوقتية القُطْرية، وعندها سيجد العرب أن الوحدة قوة فلو كان قرار العرب واحداً لما حصل كثير من مآسي العرب، فلو لم ينفرد الرئيس أنور السادات بالقرار في زيارة القدس لما افترق الصف العربي، ولو دخل العرب بعد ذلك بقرار واحد في مفاوضة اليهود لما استأسدت إسرائيل ووصل بها الغرور إلى ما هي فيه اليوم، إنه التشرذم مع وجود الجامعة فكيف إذا دفنت الجامعة كما يخطط له الآن.الجامعة ضعيفة لكنها أمل، ويطمح كل فرد عربي إلى إصلاحها ويرى أن إخراج من لا يريد العضوية أفضل مما يفعله الآن من سعي لهدم كيان عربي، واقتصارها على دول محدودة مع تفعيل أنظمتها أفضل من كثرة تسعى لدفنها، ونرجو ألا يكون أول ثمرة لاحتلال العراق هو نعي الجامعة التي أنشأها ووضع أنظمتها رجال أخلصوا لتاريخهم وأوطانهم. للتواصل ص.ب 45209 /الرياض 11512/الفاكس 4012691