تعيش المنطقة العربية في هذه الايام ظروف غير عادية حيث يخيم عليها شبح الحرب المخيف بما يحمله من سلبيات ومآس قد تجرها على منطقتنا ولقرب بلادنا الغالية من نقطة التماس لهذه الحرب كان لابد من الاشارة الى اهمية تعزيز امكانيات الجبهة الداخلية حتى تكون قوية لتجاوز سلبيات هذه الحروب في حين وقوعها لا قدر الله ولعل اخطر ما يواجه الشعوب في حالات الحرب هو الاشاعة وترويجها وهو لا يهدد قوة الجبهة الداخلية فأنه لابد من التحذير من هذا الخطر. وبرغم انتشار القنوات الاخبارية الفضائية ووكالات الانباء وتعدد وسائل الاعلام المتنوعة، وسرعة وصول المعلومة في عصر المعلوماتية، ورغم تطور وسائل الاعلام وتنوعها الا انها احيانا قد تكون وسيلة لترويج الاشاعات خاصة وان بعض هذه الوسائل تفتقر للمصداقية ويمكن التأثير عليها من اية جهة لإثارة البلبلة في بلد ما كما ان للاشاعات وسيلة اخرى وهي الاشاعات الداخلية والتي عنوانها يقولون ورغم انها وسيلة بدائية وذات مدى قصير إلا انها لازالت تؤدي دورها في تداول ونقل الاخبار والاحداث الا انها تنطوي على جانب هدام يهدد استقرار المجتمع ويساهم في تفشي معلومات غير موثقة يتعامل معها البعض على انها مسلمات قد يبني عليها البعض تصرفات وآليات معينة تسبب احباطا وتؤثر على صلابة الجبهة الداخلية لعدم صحة المعلومة التي استندوا اليها وفي هذا خطر كبير يجب الانتباه له، وما يساهم في انتشار الشائعات هو غياب المراكز المعلوماتية الموثقة في العديد من الدول او عدم ثقة المتلقي لبعض هذه المراكز ان وجدت. ويقول احد أئمة المسجد الحرام ان الشائعات من اخطر الحروب المعنوية، والاوبئة النفسية، بل من اشد الاسلحة تدميراً، وأعظمها وقعاً وتأثيراً، وليس من المبالغة في شيء إذا عُدَّت ظاهرة اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، وأنها جديرة بالتشخيص والعلاج، وحريةٌ بالتصدي والاهتمام لاستئصالها والتحذير منها، والتكاتف للقضاء على اسبابها وبواعثها، حتى لاتقضي على الروح المعنوية في الأمة، التي هي عماد نجاح الافراد، واساس امن واستقرار المجتمعات، وركيزة بناء أمجاد الشعوب والحضارات. يقول احد الخبراء حول الشائعة واثرها ان الشائعة وليدة الغموض والتناقض للمواقف والاحداث الامر الذي يتيح الفرصة لإطلاق التفسيرات المشبوهة في ظل عدد من المؤشرات التي تؤدي او تعارض الواقعة ومما يزيد من حدتها ضبابية رؤية الحدث وانعدام الثقة في مصدر الخبر، ويضيف انه ومن خلال دراسة اعدها ونفذها خلصت كثير من الدراسات الى ان 70 بالمئة من التفاصيل تسقط خلال خمسة او ستة تنقلات من فم الى فم حتى وان لم يكن هناك فترة زمنية فاصلة في النقل فمعدل سقوطها يتبع اتجاهاً هبوطياً مطرداً وإن كان اكبر معدل لسقوط التفاصيل يتم في الاستعدادات الاولى حتى تنتهي الواقعة الى خبر مقتضب مضافاً اليه كثير من المبالغات والاقاصيص المختلفة. ويضيف قائلاً ينطلق الانسان في بناء منظومة المواقف والتصورات للعالم الخارجي ومجريات الاحداث من خلال بناء معرفي لبشر على شبكة الواقع الاجتماعي يرتكز على علاقات وقيم معقدة وهي عوامل تؤثر على بناء المعرفة ورؤية الاحداث والوقائع، اذ ان مسيرة البناء المعرفي عند الانسان تنمو عبر وسط اجتماعي ومصدر ثقافي ومناخ ذاتي وليس فقط بين الذات والموضوع. ومن هنا فان البعد الانساني يقوم بدور ابداء التصورات والمواقف وفق منظومة الانفعالات والمشاعر التي تؤثر بدورها على موضوع الادراك الحسي للشائعة فقد يظهر المرء مايرغب فيه ويسقط ما يخالف هواه، ولذلك يدخل الشعور بالنقص، والتعصب والتحيز والعوامل الشخصية من حب وبغض وكره بين طيات الشائعة المحمولة. ويقول الباحث ان الاشاعة تنفيس داخلي حيث تتحول القصة الى مناسبة جيدة للتنفيس والتفريج عما يلج في النفس وفرصة مواتية لتهدئة التوترات الانفعالية الحادثة او للضغوط الفكرية او الانفعالية وكما يتدخل التعصب في عملية الاشاعة فان العوامل الذاتية او الاسقاط او عامل التميز له تأثيره ايضاً. فالحقد يسرد اقاصيص الاتهام والافتراء والكذب، والطموحات والآمال تكمن وراءها الاشاعة الحالمة، والقلق هو القوة الدافعة الى اقاصيص الكوارث، وحب الظهور يجعل سرد القصص المضحكة مجالاً للهيمنة على المستمعين، والتشنيع والتجريم وسيلة للتنفيس عن مشاعر الضعف والحق. ويضيف ان للشائعة قدرة في احداث صنوف البلبلة في المجتمع الواحد واحداث الوقيعة بين الفرق وتحطيم وشائج القربى وعرى الصداقات، فهي معول هدم لجسور الثقة بين الافراد ومشوش عظيم لرؤيتهم تدفعهم للتحزّب بين مصدق ومكذب ومشكك حول واقعة لربما الاصل فيها خيال. فالاشاعة تنجح في تكوين نسق من الاتجاهات مشحونة فيما بينها حيث تكون تصورات غير حقيقية مشوهة للوقائع يتأثر الرأي العام بانعكاساتها. ثم يتحدث عن كيفية محاربة الاشاعة ويؤكد على ان المبدأ الاخلاقي الذي يتمثل بالتربية السليمة و الصدق والانصراف عن الغيبة والنميمة امور تقوي الاواصر والتماسك الاجتماعي مؤكدا على ان تعاليم الدين الاسلامي يعتبر الاشاعة كذباً وافتراءً وخداعاً وتضليلاً ووسيلة الانتهازيين الذين في قلوبهم مرض، ومن هذا المنطلق شدد الدين الحنيف على وجوب التثبت عند سماع الاخبار والتأكد من مصداقية مصدرها. قال تعالى قال تعالى :{يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا إن جّاءّكٍمً فّاسٌقِ بٌنّبّأُ فّّتّبّيَّنٍوا أّن تٍصٌيبٍوا قّوًمْا بٌجّهّالّةُ فّتٍصًبٌحٍوا عّلّى" مّا فّعّلًتٍمً نّادٌمٌينّ }.