اعتبر العالم أجمع، أنه بتفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي في نوفمبر عام 1990م وزوال حلف «وارسو» العسكري، الذي كان يضم دول الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي السابق أصبح لا معنى لوجود حلف الناتو، فالضرورة التي قام من أجلها وعلى أساسها حلف الناتو عام 1949م لم تعد قائمة.. لكن فوجئ العالم بأن الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه أمريكا تتزعم فكرة الضرورة من توسيع الحلف كانت هناك أهداف معلنة يعرفها الجميع وأهداف غير معلنة، هي ما يدور حولها هذا المقال.كان الاتحاد الأوروبي يهدف من وراء ذلك استبعاد تركيا وإحلال دول أخرى جديدة بديل عنها، وكانت أمريكا تحرص على وجود تركيا وعدم تركها خارج الحلف حتى لا تلم شملها مع العرب والمسلمين في أي تجمع فلطالما حرصت على عدم إعطاء أي فرصة لمثل هذا التقارب وهي الحليف الاستراتيجي الهام والفريد من نوعه لأمريكا كما كانت تحرص على عدم التقارب ولم الشمل بين إيران والعرب، مع الفارق بالطبع فإيران بعد الثورة الإسلامية بدت عدو أمريكا اللدود وكما بدت أمريكا كذلك لإيران فتارة تطلق أمريكا على إيران مصطلح محور الشر وتارة تصفها بالمارقة، كما أطلقت إيران على أمريكا مصطلح الشيطان الأكبر لأنه يتبنى الشيطان الأصغر حجما إسرائيل. وحلف الناتو هو معاهدة عسكرية وقعت في نوفمبر عام 1949م بين 12 دولة هي «الولاياتالمتحدة وكندا وبلجيكا وبريطانيا والدنمارك وفرنسا وايسلندا وايطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال». «وينص الحلف على التزام الدول الأوروبية داخل الحلف وأمريكا الشمالية على التشاور فيما بينهم في حال تعرضت أي دولة من الأعضاء للتهديد في أمنها واعتبار أي هجوم مسلح ضد أية دولة هجوماً على جميع الدول الأعضاء» إلى جانب استخدام القوة لحماية شمال الأطلسي وأمن دوله، ثم انضم إلى الحلف اليونان وتركيا عام 1952م وألمانيا عام 1955م وتلا ذلك توسيع للحلف في عام 1991م واجتمع ممثلو حلف الناتو والدول الست لأوروبا الشرقية والوسطى ودول البلطيق الثلاث وفي الاجتماع التالي لهذا المجلس في مارس 1992م اشتركت مجموعة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي البالغ عددها احدى عشرة دولة ذات أغلبية مسلمة وفي عام 1997م شهد الحلف توسعة أخرى تنص على الاستعداد لضم أي دولة من دول شرق ووسط أوروبا إلى الحلف، وتوسعته على مراحل وفق ما يراه القادة مستوفياً للشروط المطلوبة، واستثناء روسيا الاتحادية من الحلف وايجاد صيغة للتعاون معها، وجاءت التوسعة الأخيرة للحلف في 12/3/1999م بضم «تشيكيا والمجر وبولندا». - بدأت الاستراتيجية الجديدة لحلف الناتو تتضح بعد توسيعه الأخير الذي احتفل به في واشنطن في 23/4/1999م لمرور خمسين عاماً على تأسيسه وبحضور جميع رؤساء تلك الدول. - وأيد بعض السياسيين والاستراتيجيين الأمريكان البارزين، تلك التوسعة، ومن أبرزهم «هنري كيسنجر وبريزنسكي والسيناتور السابق لوجار» مدعين أن عملية التوسيع جاءت تلبية لمطالب قادة دول شرق أوروبا لتأمين التطور الديمقراطي في بلادهم، ولضمان أمنهم، وأن انضمام تلك الدول إلى الحلف سيعزز الأمن والاستقرار في وسط وشرق أوروبا ويحل مشكلة «الفراغ الأمني فيها»، ودمج شرق ووسط أوروبا بغربها سيحقق بيئة اقليمية مستقرة، إلى جانب تعزيزها داخلياً في اتجاه اقتصاد حر يدعم «حرية الأسواق» ويحقق الليبرالية السياسية.. أما المعارضون لتوسيع الحلف فكانوا يرون بأنه لا يوجد تهديد حقيقي يواجه وسط وشرق أوروبا وفكرة «الفراغ الأمني» غير مقنعة، وأنه يمكن ملء الفراغ عبر سلسلة من اتفاقيات الحدود بين الدول، وتوسيع الحلف يعني إعادة رسم خط تقسيم جديد في أوروبا بدلاً من التحرك نحو أوروبا موحدة، ويفجر عدوانية روسيا، لكن الولاياتالمتحدة لم تكترث لهذا الرأي لأن لديها خططها ومصالحها الكبيرة من وراء تلك التوسعة تخدم في المقام الأول الاستراتيجية الأمريكية. ومن أهم تبعات تلك التوسعة: ان هناك دولاً كثيرة انفصلت عن الاتحاد السوفيتي ذات أغلبية مسلمة تحمل مشاعر من الحب والعرفان للعرب والمسلمين وتمتلك تعاطف مع قضايا العرب والمسلمين وكانت تدعم الدول العربية، فأرادت أمريكا قطع الطرق التي قد يمكن أن تؤدي إلى أي تجمع معهم أو تعاون في أي مجال أو للم الشمل حتى لا تكون داعمة للعرب في صراعهم مع إسرائيل. - وسيفقد العرب بذلك مجموعة من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى جانب خوفها من أن تطرق تلك الدول أبواب الصين، ومحاصرة روسيا، وحرمانها من أي دور اقليمي أو عالمي لضمان بقائها في حالة من «شلل النفوذ السياسي» وبذلك، ضمان حرمان العرب من وجود أي حليف دولي أو إقليمي قوي، وافشال جميع المخططات التي تسمح بتجمعات سياسية واقتصادية واقليمية فيما يخص الدول الإسلامية أو الدول العربية حتى لا يستطيعوا تحقيق أو استعادة التوازن الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.. وهذا يطابق ما صرح به الجنرال «جون جالفين» قائد قوات حلف الأطلسي السابق بعد انتهاء خدمته بعد انتهاء الحرب الباردة، وهذا ما يذكرنا بما أعلنه وزير خارجية ايطاليا بعد انهيار «حلف وارسو» وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة في 22/4/1993م ، بأنه مازال أمامنا الخطر الإسلامي الذي علينا أن نضمن عدم قدرته على تهديدنا قبل أن نفكر في حل حلف الأطلسي «الناتو». - ويتجلى ذلك في الضغوط الأمريكية على روسياوالصين في عدم تزويد العرب والمسلمين بالصواريخ وتكنولوجيا صناعتها والتكنولوجيا النووية والذي أخذ منعطفاً خطيراً وعلنياً بعد أحداث 11 سبتمبر بتحريض من الصهيونية الفاشية والصهيونية الصليبية. فكل ما نراه من ممارسات ارهابية عدوانية ضد العرب في فلسطينالمحتلة، في دائرة المصالح الأمريكية في المنطقة العربية وعلى رأسها حماية أمن إسرائيل وتوسيع مشاركتها في برامج تطوير الأسلحة ومشاريع «مبادرة الدفاع الاستراتيجي» لضمان تفوقها دائماً، والخلاصة من ذلك أن توسيع حلف الناتو لن يكون داعماً للعرب في صراعهم مع إسرائيل.. بل على العكس تماما.. وبذلك تضمن سيطرتها وتمركزها في مناطق البترول الغنية في الشرق الأوسط وجمهوريات آسيا الوسطى ومحاصرة النفوذ الإيراني الذي تعتبره مهدداً لمصالحها في تلك المنطقة، وزيادة قدرتها على التدخل في الشؤون الداخلية للدول وممارسة حق العدوان عليها تحت غطاء «حفظ السلام»، واستغلال المنطقة العربية النفطية واتخاذها نقطة ارتكاز في سياستها في الشرق الأوسط. ويتوقع المراقبون أن أي مواجهة بين القوى الآسيوية والناتو ستكون على ساحة الشرق الأوسط. كما تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية للمحافظة على وجودها في أوروبا وتعزيز المواقع العسكرية الاستراتيجية للحلف، وخلق تهديدات وهمية لتلك الدول الحديثة الانضمام لصالح الشركات المتعددة الجنسيات وشركات الأسلحة لديها، لانفاق المليارات من الدولارات في شراء الأسلحة الأمريكية على الرغم من كونها دول منهكة اقتصادياً مثل «تشيكيا والمجر وبولندا» بذريعة فرض تحديث وتغيير للأسلحة لديها، لتواكب مقتضيات الحلف، فتضمن بذلك أمريكا اعاقة تقدم تلك الدول وإعاقة مسيرتها في التنمية، لتظل تابعة لها.. «كما تفعل مع الدول النامية وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً» ولطالما حرصت أمريكا وأجادت في صياغة جميع بنود الحلف وتجنبت الاشارة أو التلميح «للأمم المتحدة» لتهميش دورها وتجنب نفوذها حتى تضمن تجنب أي «فيتو» ضدها داخل مجلس الأمن وخاصة من روسياوالصين، ولم تكن تتوقع أمريكا أنها ستواجه ذات يوم ثلاثة «فيتو أوروبي» داخل حلف الناتو وخاصة في أمر يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، كما حدث مؤخراً بشأن الحرب ضد العراق، وهي التي طالما اعتبرت الشرق الأوسط ميراثاً شرعياً لها.لا شك أن كثيراً من الدول الأوروبية البارزة وغير المهمشة مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا سئمت التبعية والسياسة الأمريكية التي تتجسد فيها الرؤية الأحادية القطبية «التي تريد أن تلتهم الكعكة بمفردها ولم تعط الباقين سوى الفتات» مما يساعد على مزيد من التباعد الأوروبي الأمريكي فتلك الدول التي تشارك الولاياتالمتحدة المنظومة الرأسمالية المنتصرة في الحرب الباردة، باتت تعاني الآثار الجانبية للسياسة الأمريكية تجاه القوى الأخرى في النظام الدولي، ومن أبرز ذلك الاصرار الأمريكي على المضي قدماً في برامج «الدرع الصاروخي» رغم الاعتراضات الروسية والصينية، وهو ما يخشاه المراقبون بأن يدفع بروسيا إلى الخروج عن المعاهدات والاتفاقات الخاصة بالحد من التسلح في القارة الأوروبية، الأمر الذي يؤثر سلباً في الأمن الأوروبي، مما دفع ببعض الدول الأوروبية إلى اقامة روابط خاصة مع روسيا بعيداً عن الاطار الأمريكي، ويدفع الاتحاد الأوروبي للسير على طريق تطوير قدراته العسكرية للوصول إلى «الدفاع الجماعي» حتى فقد بالفعل حلف الأطلسي «الناتو» جميع مبررات وجوده. ويعلم العالم أجمع كما تعلم أوروبا جيداً أن اقحام أمريكا لحلف الناتو في حربها ضد العراق بحجة حماية أمن تركيا ما هو إلا تحايل شيطاني لتوريط أكبر عدد ممكن من الدول الأوروبية معها في تلك الحرب بكسب مشاركتهم، لاعطاء غطاء شرعي لحربها ضد العراق، تلك الحرب التي أقل ما يقال عنها هو تبني شريعة الغاب، والقرصنة الفاقدة لكل شرعية دولية، والتي هي تحد سافر للمجتمع الدولي ولمجلس الأمن والأمم المتحدة. [email protected] فاكس 6066701-02/ص.ب:4584 جدة:21421