منذ سنوات مضت كانت الأمية تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة، ولكن الحال تغير الآن تماماً وأصبح ينظر إلى الفرد الأمي على أنه ذلك الإنسان الذي لم يتعلم كيف يتعلم جيدا«وجديدا» يتجاوز به حدود الإلمام بالمعارف والمعلومات الاساسية إلى تعلم المهارات العلمية والتكنولوجية وأسس الاتصال ومهارات حل المشكلات، هذه الاساسيات التي تشكل الخلفية القوية التي يحتاج إليها المتعلمون كسلاح حقيقي في ظل متغيرات الألفية الثالثة. مضى أكثر من نصف قرن على بداية التعليم لدينا، تكاثرت المدارس والجامعات التي لاتزال في حاجة إلى استيعاب الفائض من خريجي الثانوية العامة ومازلنا نتساءل كيف يمكننا تقييم جودة مخرجاتنا التعليمية؟ لماذا نجحت خططنا ونظمنا التعليمية في بداياتها، ولكنها لم تعد تعمل بكفاءة في السنوات الاخيرة مما انعكس أثره على جودة العملية التعليمية ومخرجاتها؟ مخرجات التعليم الجيد لاتعني بالضرورة أن يصبح الجميع حملة شهادات عليا، نتفق أن التعليم الاساسي هو حق للجميع ولكن التعليم الجامعي في أغلب دول العالم لا يصل إليه أفضل الطلاب وأكثرهم كفاءة. اما في مجتمعنا فأننا نجد ان الجميع تقريبا يعد التعليم الجامعي هو الذي يمنح المؤهل للدخول إلى معترك الحياة العملية. نعاني ضعف طلابنا بلغتهم الام واللغة الانجليزية والرياضيات. طلابنا يعتقدون ان التعليم هو تعلم حقائق متفرقة تحفظ غيباً من دون فهم أو استيعاب كاملين لتسترد في الاختبار فهل هذه القناعات كانت ضمن التركيبة الجينية الوراثية لهم أم أننا مسؤولون عنها؟ ان الطلاب لدينا ينقصهم الفهم الكامل للمفهومات أو الافكار الأساسية للمواد التي يدرسونها، كما أنهم لا يستطيعون كتابة مقالٍ يحتوي على مناقشة منظمة منطقية المحتوى والتحليل، أو يدركون الأفكار الرئيسية لمحاضرة يسمعونها، مشكلتنا أن تعلمنا ينتهي بعد خروجنا من قاعات الامتحان. كذلك نجد أن هناك تناقضاً كبيراً بين معدلات الكثير من الطلاب ومستوياتهم العلمية في الجامعات والكليات التي انتظموا للدراسة فيها، فهل تعني النسب العالية جودة هذه المخرجات؟ أبناؤنا وطلابنا هم العجينة التي نعمل نحن على تشكيلها ومنذ المراحل الأولى للتعليم، وعلى قدر مهارتنا في بناء أسسهم وتشكيل طرائق تفكيرهم نحصل على المردود الحقيقي لعملية التعليم خصوصاً في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية التي تعد هي الاساس في معظم دول العالم. ان إصلاح التعليم هو من هموم المستقبل يأتي بالتخطيط الجيد السريع وذلك قبل أن تقتلع أعاصير العولمة أسسنا وأهدافنا التعليمية وقبل أن تصبح الثقافات الاخرى هي المثل الأعلى ويضعف انتماء أبنائنا لدينهم وتراثهم ووطنهم، إننا نمر بمأزق حقيقي يجب علينا مواجهته وأن تكون معالجتنا له بصورة جذرية، ومن ثم نحن مطالبون بإصلاح وتطوير نظمنا التعليمية ضمن ضوابط ومعايير جودة محددة نستطيع من خلالها تحقيق أمرين وبصورة متوازنة في آن واحد: أولهما: المحافظة على أسسنا وقيمنا الدينية بالاضافة إلى المحافظة على الامتداد التربوي الثابت لجذور تراثنا. ثانيهما: أن نهتم بتطوير العلوم والمعارف الاساسية وبما يتفق مع خطط وأسس التنمية الشاملة وما تتطلبه من اعداد طلابنا للعيش فيها قرية صغيرة تتعدد فيها الثقافات واللغات وتتضارب فيه المصالح والقوى. نحتاج إلى وضع أولى خطواتنا على بداية الطريق ونعترف أن هناك مشكلة ينبغي علينا مواجهتها، وقد تكون ندوة وزارة المعارف هي الشرارة الأولى التي كانت دافعاً للكثيرين الذين يبحثون عن مخرج من هذا المأزق التعليمي للتعبير عن آرائهم.. إننا يجب أن نهتم بالكيف في العملية التعليمية وليس بالكم فليست العبرة بعدد ساعات الدوام اليومي بالمدرسة بل بكيفية استثمارها، وليست العبرة أن ينتقل المدرس من حصة إلى أخرى ليدرس أربعاً وعشرين حصة بالإضافة إلى قيامه بالأنشطة الاخرى بل بجديته وجودة تعليمه وإخلاصه في عمله داخل الفصل وخارجه، فما أهمية زيادة أعداد الخريجين ومن دون أي كفاءة علمية وعملية ولا يستطيعون التفاعل مع محيط العمل وإدارة حياتهم بنجاح ومرونة. طلابنا هم الاستثمار الحقيقي لمستقبلنا القادم فهل من وقفة حقيقية نضع ونحدد من خلالها معايير الجودة لتعليمنا؟؟. ومتى ستكون لدينا مؤسسات مستقلة لمراقبة التعليم كما في معظم الدول التي تطبق مبدأ الجودة في التعليم كبريطانيا والولايات المتحدة؟؟