كنت أقرأ احدى معلقاتهم فوجدتني اكتب تلك التداعيات المسافرة في أعماق المواجهة مع أحرفهم الواجمة تحت خطى المديح!! حقا ما أسوأ ان تقرأ مديحا مثقلا بعبارات الثناء المبالغ والاشادة الزائفة لمدير ادارة.. أو وكيل وزارة.. او مسؤول يقف على رأس مؤسسة. تستفزك الألفاظ الرنانة.. المسكونة بالتطبيل المزعج.. والمديح المحرج.. عبارات متوهجة.. ولغة متأججة.. وخيال خصب.. وطابور من مفردات الاحتفاء. ولا تعجب ان يسرد لك الكاتب المخلص تاريخ هذا المدير او ذاك المسؤول وينثر «فتوحاته الادارية» وبرصيد «قفزاته الوظيفية» مسجلا شهادة اعجاب مترهل بآثار النفاق الاجتماعي الممجوج.. ومكتظ بفواصل المديح المكشوف. آه.. من تلك الأقلام الشاردة التي تغتال ضمير الكلمة وترمي بأمانة الحرف.. بل وتنتهك حرمة القلم ونزاهة الحبر لتخط رسوم الثناء.. وتمنح ألقاب التبجيل لشخوص ادارية معينة رغبة في مصلحة او سعيا وراء فائدة أو طمعا في خدمة او شفاعة يقال بأنها «حسنة». والقارىء بالتأكيد سيقابل هذه النماذج الكتابية ذات الطقوس الصاخبة بكل ازدراء وسخط.. كونها تثير انفعاله وتحرك استفزازه لأنه يدرك اغراضها ومقاصد اصحابها.. والكلمة اسمى من ان تتحول الى وسيلة انتفاع أو اداة مصلحة.. لدى من لا يقدرون امانة الحرف. ثم ان هذا المديح الزائف الذي يندلق باتجاه هذا المدير او المسؤول سيحجب القصور الذي تعيشه تلك الدائرة او الجهة ويغطي حقيقة ادائها تحت ستار اعلامي خادع. أفلا نهب احرفنا مصداقية ينشدها القارىء ونمنحها موضوعية يحترمها المتلقي.. تتواكب مع عطاء أي مؤسسة حكومية بعيدا عن تلميع رموز ومديري تلك الادارات.. وأي عطاء يبذل ليس بكثير على هذا الوطن الذي يسكن قلوبنا بعقيدته السمحة وتاريخه المجيد.. نعم.. لنمنح الكلمة عطر الصدق وأريج الأمانة بعيدا عن عزف مستهجن على وتر المديح الزائد.. او تحليق زائف في فضاء الثناء المعلب.. الذي يأتي كبرق خلب. وحقيقة دأبت بعض الاقلام الساذجة على تدبيج مقالاتها وتلميع رؤوس الادارات بأسلوب مكشوف رخيص.. بحثا عن موقع في خريطة المصالح.. كتاب يحرصون على «دهان» جدران كلماتهم بزيوت بنفسجية بصورة تبرز ضحالة تفكيرهم وهشاشة انتمائهم الكتابي وزيف مشاعرهم.. لكنها تصطدم بوعي القارىء وفهم المواطن الذي ضاق ذرعا بأطروحات كتابية تتجاوز رؤاهم وتستخف بمطالبه امام تلك الدائرة. وإذا كان بعض مديري الدوائر يأنس ببريق لأضواء وبهرجة الاعلام ويفتش عن صوره وأخباره في ثنايا الصحف فان هناك فئة منهم يغضون الطرف عن هذه النزعة ويحترقون تحت لظى العمل مدركين اهداف تلك الاشادة الزائفة التي تطرق ابواب اداراتهم بدون موعد. نعم.. احملوا احرفكم ايها المادحون وارتحلوا فقد ضجت منكم بطاح البوح.. المنكوب بأقلامكم المهترئة.. لملموا شتات مشاعركم المزيفة وألفاظكم المعلبة التي تصفونها وقت الحاجة.. فحرارة الحرف ستذيب صقيع التطبيل.. وتحرق أوراق التبجيل.. نحن نسعد حينما تعبر الكلمة عن جهود الرجال وتلامس واقع عطائهم.. لكن ان يتحول المدح الى اسلوب كذوب.. لتمرير المعاملات.. وتحقيق المصالح في اعمدتهم او زواياهم.. فهذا نقف أمامه استهجانا واستنكارا. عذرا.. يا هؤلاء.. اما سئمتم الاسطوانة المسحولة.. ذات الحضور المعتاد.. وما زلتم تتأبطون معاملاتكم بيد ومقالاتكم المزيفة باليد الاخرى في مشهد مسرحي مكشوف.. يرفضه المنطق ويمجه الذوق.. لقد انتهى زمن القصائد الزاحفة. محمد بن عبدالعزيز الموسى