حول (المدارس الأجنبية) كتبت الدكتورة عزيزة المانع كلاما رائعا يوزن بالذهب في زاويتها المعتادة (أفياء) في جريدة عكاظ الخميس 4/11/1420ه تعليقا على ما كتبه الدكتور عبدالله بخاري في زاويته (ميادين) متحدثا فيه عن حرية التعليم ومؤيداً التوسع في الترخيص للمدارس الاجنبية على ارض المملكة، ومحتجاً بأنه طالما وجد بعض الناس الذين يرسلون أولادهم للدراسة في الخارج بعيداً عن اشراف أهلهم، فيكون من الأفضل إحضار التعليم الخارجي إليهم حيث يتعلم الأولاد تحت رقابة الأهل في داخل مجتمعهم حفظاً لهم مما قد يتعرضون له من انحرافات أخلاقية متى ما تركوا منفردين في تلك المجتمعات الغربية، ويرى ان هذا الاقتراح يلقى كثيراً من التأييد من أولياء الامور في مجتمعنا لسببين: أحدهما: الرقي في مستوى التعليم في هذه المدارس الاجنبية, والثاني: اعتدال تكلفة التعليم,, ولهذا فإنه يرى مستوى عدم التردد في الإقدام على الفسح لهذه المدارس الاجنبية التي لا يرى فيها سوى المنفعة, هذه وجهة نظر الدكتور بخاري، كما أوردتها الدكتورة عزيزة، وقبل أن أقف مع كلام الدكتورة الرائع المسدد أبدي عجبي الشديد من تصوير الدكتور بخاري هذا الموضوع الكبير الخطير بهذه الصورة التي لا تخلو من تسطيح وغفلة وسذاجة، وليسمح لي الدكتور بهذه العبارات، لأن أمثاله من الناضجين والمربين وحملة الشهادات العليا يتصور فيهم بعد النظر وسبر الأغوار واستشراف المستقبل والتفكير في المآل والعاقبة والمصير، لا أن يكون تفكيرهم محصوراً في: قرب الأهل، ورقي المستوى، واعتدال التكلفة المالية، لأن التربية والتعليم استثمار في أغلى مقومات الوطن وهم فلذات الأكباد، فلا يحسن النظر للموضوع بهذه النظرة المادية القريبة، وإذا خسر الوطن شبابه وتمت برمجتهم ضده وضد أهدافه وقيمه فماذا ينفعه قرب الأهل ورقي المستوى واعتدال التكلفة؟ وكم من الأموال والأوقات والجهود ستبذل لإصلاح ما فسد وترميم ما تداعى، ولكن دون جدوى؟ إن وجبة من الطعام قوامها خبز وزيت خير من وجبة دسمة فيها كل مالذ وطاب ولكنها محشوة بالسم، هذا وإن المسوغات التي ذكرها الدكتور كلها لا تصمد أمام المناقشة والبحث، وبالإمكان تفنيدها والرد عليها، وحتى لو صمدت فإنها لا تساوي شيئا أمام أهمية المضمون والمحتوى الذي لم يعره الدكتور اهتماماً, وإني أضم صوتي إلى صوت الدكتورة عزيزة في كلامها الرائع الرصين الذي ردت به على الدكتور بخاري، وأبرز ما فيه قولها: من الأمور التي يتفق عليها المربون ان من أهداف التعليم هدفين رئيسيين: أحدهما: ربط ابناء المجتمع بثقافتهم وحضارتهم ودعم انتمائهم إلى مجتمعهم, والآخر: صهر أفراد المجتمع في ثقافة واحدة تنشر بينهم التجانس الذي يعد عاملا رئيسيا في دعم الترابط الاجتماعي, وانتشار التعليم الاجنبي في داخل المجتمع يتعارض تماما مع كلا الهدفين، فالمدارس الاجنبية تطرح ثقافة المجتمعات التي تمثلها بما في ذلك جميع مقومات الثقافة من لغة وتاريخ ومذاهب وانتماءات فكرية وقيم وعادات (هذا إذا افترضنا استثناء الدين) فينشأ الطلاب في هذه المدارس المتعددة الثقافات وقد تشبع كل منهم بنمط الثقافة الذي يعتنقها المجتمع الذي تمثله المدرسة، وجهل في مقابل ذلك معظم ما يربطه بمجتمعه وقومه، فالتعليم في هذه المدارس سيكون على حساب (اتقان) الطلاب للغتهم وتاريخهم الاسلامي,, فتكون المحصلة لمثل هذه المدارس ان ينشأ لدينا جيل من المغتربين فاقدي الهوية الذين تشتتت انتماءاتهم الثقافية واتجاهاتهم الفكرية ما بين تلك المجتمعات التي ربتهم مدارسها، فيكون بيننا من انتماؤه الثقافي أمريكي أو فرنسي أو هندي أو صيني، او ما شئت من الانتماءات الثقافية الاخرى المطروحة عبر تلك المدارس,,, . إلى آخر ما قالته الدكتورة من كلام مسدد رائع يستحق من كل قارىء ان يطلع عليه، وان يشكر كاتبته ويثني عليها على هذه الكلمات الموفقة الرصينة، وإني لأشد على يديها وأستزيدها من هذا الطرح الناضج الرصين المسدد، وأدعو لي ولها وللدكتور بخاري بالهداية والتوفيق والسداد. *أستاذ مشارك في كلية اللغة العربية بالرياض