لك عزيزي القارئ ان تتخيل معي هذا الموقف، وتقيمه بنفسك علّك تهوِّن علي ما طرأ في قلبي من بعض الوجس والألم والحزن، فمنذ عدة ايام كنت ذاهبة الى احد المراكز الصحية القريبة من الحي الذي اسكنه، وعندما دخلت المركز طلبت ملفي الصحي وأخذت رقماً وجلست على كرسي الانتظار لحين دوري كما هي العادة وبينما انا كذلك اذ دخلت امرأة كبيرة في السن، تسير بخطوات متثاقلة وقد انهكتها الهموم وأعياها المرض.. فجلست بالقرب مني، وكانت تتمتم ببعض الكلمات التي لا افهمها، وماهي إلا لحظات حتى انخرطت في البكاء!.. اندهشت لأمرها فاقتربت منها، وقلت لها: مابك يا «خالة»؟ كنت اعتقد في نفسي انها كانت تتألم من علة بجسدها.. ولكن! كانت المفاجأة مذهلة عندما علمت ان ابناءها هم سبب حزنها وبكائها، هذا ما قالته لي تلك المرأة، ثم استرسلت بحديثها وقالت: منذ ان توفي زوجي منذ بضعة اشهر وأنا لم أر ابنائي سوى مرات قليلة جداً، وكنت قبلها لا أحس بوجودهم فقد كان زوجي «والدهم» يملأ علي حياتي، وهو انيسي في وحدتي، فقد كان بالنسبة لي كل شيء ولكن عندما مات.. ماتت معه الفرحة! قتل ابنائي، كل شيء جميل في حياتي بجحودهم وتنكرهم لي، فهم منقطعون عني.. ثم انخرطت في البكاء من جديد، حاولت ان اهدئ من روعها، ولكن هيهات مع هذه الام المكلومة بفقد ابنائها وهم احياء..!! قلت لها: «يا أمي» لا عليك ابناؤك في النهاية لك،و سيعرفون قدرك، عاجلاً أم آجلاً.. كفكفت دموعها.. دعوت لهم بالهداية.. فقاطعتني هذه الأم المسكينة.. وقالت «يا ابنتي» انا لم افعل لهم شيئاً يغضبهم حتى يقاطعوني ولا يسألوا عني.. قلت لها لا لا يا «أمي» لا تحاسبي نفسك فهم المحاسبون.. ثم سألتها هل لديك «بنات» لعلهن أحنُّ عليك من هؤلاء الأبناء..؟ قالت بصوت مبحوح «ياليت» تمنيت لو بنتا واحدة.. انعقد لساني، لم استطع ان اكمل حديثي معها وقد اغروقت عيوني بالدموع، بحَّ صوتي.. وبينما انا كذلك اذا بالممرضة تنادي على رقمي، فقمت من عندها وانا اقبل رأسها.. دخلت عند الطبيبة وخرجت منها على عجل لأحدث تلك المرأة وآخذ عنوان سكنها او رقم هاتفها او اي شيء يدل عليها.. ولكن!! لم أجدها.. ولا أعلم لماذا أتت للمركز ولا إلى أين ذهبت؟ بحثت عنها في كل مكان ولكن..!! ذهبت وتركت الحزن والحسرة في قلبي.. آه من دنيا العجب ألهذه الدرجة وصل العقوق ببعض الابناء؟ أين هم من قول الله تعالى: {وّقّضّى" رّبٍَكّ أّلاَّ تّعًبٍدٍوا إلاَّ إيَّاهٍ وّبٌالًوّالٌدّيًنٌ إحًسّانْا }. فقد قرن حقه سبحه ببر الوالدين لما لهما من مكانة عظيمة.. ثم اين الانسانية والضمير والرحمة في قلوب هؤلاء الابناء؟ أما علموا ان دعوة المظلوم مستجابة، فكيف وهي دعوة احد الوالدين وهم اشد ما يكونون ظلماً وقهراً.. ثم اين زوجات هؤلاء الابناء؟ لماذا لا يذكرن ازواجهن الغافلين، اما علمن ان الدنيا دائرة، وربما يفعل ابناؤهم بهم مثلما فعل هؤلاء الازواج بأمهم.. ايها الابناء عودوا لأمكم فإن الدنيا ماضية والآخرة باقية كفكفوا دموعها وقبلوا يديها.. اطلبوا منها ان تسامحكم قبل ان تندموا ساعة لا ينفع الندم فإن «الجنة تحت اقدام الأمهات».