منبتا خصبا لكانت جوهرا هي يائسة وملامح وجهها تبوح بسرها وإن تجلدت واجترت أذيال أحزانها في مخبأ عن عنفوان الحياة.. وما انقلاب شخصها إلا دليل جعلني اتردد في سؤالها عن أمرها ومن المسؤول عن خبو ابتسامتها التي لم تنطفئ من قبل.. مع أن الأحداث لا تجري على الأهواء دائما لكنها قد تصيب حيناً آخر .. فبصدفة دخلها افتعال مني قابلتها وتعمدت الجلوس معها. فقلت ما رأيك بجلسة انفراد في يوم من الأيام يتاح لنا فيها رونق الحديث بعد فترة انقطاع أثرت عوامل الشوق في قلوبنا تارة والأنس بحديثك تارة أخرى؟ قالت: بل أنا التي أريدك ولطالما بحثت عنك في مدلهمات حياتي فلم أجدك فأين انت عني بل أين أنا عنك؟ بعدها حدد يوم معلوم نتاج اتفاق بيني وبينها.. وفي ذلك اليوم خرجت من وكر تعليمي وفي الوقت المنتظر آل حالي إلى شك من مجيئها، أدرت ناظري إلى الخلف فإذا بها قد هرولت سريعاً نحوي .. جلسنا سويا في مكان منعزل عن الخلق وبدأ بيننا نقاش جميل عرجنا من خلاله بعد السؤال عن الأهل والأحوال إلى تفكر في هيئة دنيا مدبرة حتى وصلنا إلى محور الموضوع فقلت: ما سر ولوج الوهن في بسمتك الصفراء وأين تيك الفرحة والسعادة التي بدت تستتر تحت جلابيب الخوف من موجات ما هو آت.. لا تلمزيني بالتوهم فلدي قليل نصاب من فراسة فهم النفسيات تظهر حينا وليس كل آن .. تكلمي وسأرعي لك سمعي .. قاطعتني وقالت: - سأقول لك كل شيء وسأفتح لك بوابة كل خاص وما لم يعلم به إلا الله .. فنفسي تتوق لأن تدلو بدلوها في محيط دنياك عليّ أجد مفتاح سعادتي وآسف على الاستمراء والبوح عن الخصوصيات .. أنا إنسانة مللت من هذا المنوال المخيف في حياتي أعاني عقدة نفسية وجرحا عميقا استنزف كل ما بقي في قلبي من مشاعر الأبوة ومحبة الوالد.. نعم والدي هو السبب في كل شيء سامحه الله .. عذراً على سوء التعبير لكنها غصص اتجرع مرارتها تعيق لساني عن البوح والشكوى إلا لله الذي يعلم ما بنفسي ولو حرمت الفصاحة والبيان ثم ها أنا أشكو إليك فترجميها إلى انقباضات ألم وحسرة قطعا ستفهمين خلجات صدري وسوء نفسيتي .. عندما تزوجت أمي بأبي كانت المشاكل من أول وهلة من حيث طول الأسفار والغياب المستمر الطويل المتميز بقلة الاتصال وانقطاع الأخبار.. لم تحتمل الوالدة بعد إنجابها إياي فسكنا عند جدي لأمي.. لم أكن أعرف أبي ولكن عندما أراه أجده في أوج سعادته يضحك ويلعب ويغني وما كنت لأعرف الحقيقة لصغر سني.. رجعت الوالدة بعدها إليه.. لفت انتباهي سهر الرجال عندنا إلى شروق الشمس وكذا تلك القوارير المعبأة بماء ذات شكل غريب- تقصد قوارير الخمر- وأولئك الرجال التعساء الذين ظنوا أنهم يعيشون نشوة الحياة برقص وغناء وضحك طوال الوقت.. ذات ليلة لن أنساها ما حييت كنت نائمة مع والدتي فأحسست بجلبة وأصوات استيقظت فوجدت ثلاثة رجال في غرفة أمي .. ذعرت يا إلهي ما الأمر؟ كانت أمي تقاومهم وبعد جهد وعناء نجحت في إخراجهم .. هنا بدأت استوعب الأمور وأضع النقاط على الحروف .. كبرت وكبر همي معي .. تحملت الوالدة ثم أنجبت بعدي ثلاثة .. فرحنا عله يتحمل المسؤولية لكن للأسف.. حاول معه الكثير من الأقارب وكان الفشل هو النتيجة .. وبعدها ورغم العهود والوعود المغلظة من أبي لأمي يتكرر الموقف السابق مرة أخرى ولا أعتقد أنه سينتهي في يوم من الأيام وكان هذا في عيد الفطر المبارك الماضي 1421ه فياله من عيد عندي.. طلبت أمي الطلاق بعد نفاذ صبرها ثم هدأت رحمة بأطفالها.. سكتت محدثتي مليا ثم قالت: بصوت مرتجف وفوق هذا وذاك أبي لا يصلي .. لا يصلي.. و انفجرت باكية حين لم تحتمل.. علمت بعدها ما سر هذا الانحراف ف: هل يطلب الماء ممن يشتكي عطشاً هل يطلب الثوب ممن جسمه عاري هدأتها بما يسليها وحالي تقول: لا يفز عنك هول خطب دامس فلعل في طياته ما يسعد لو لم يمد الليل جنح ظلامه في الخافقين لما أضاء الفرقد وربما تبسمت ببشرى زففتها إليها من كتاب الله وسنة رسوله حتى هدأت وكفكفت دموعها ثم قالت: أبي قد أحدث فجوة عظيمة بيني وبينه .. أخاف منه فقدت حنانه ورعايته لا أجد ما تجده البنات من حلاوة الأبوة.. ربما ستتهمينني بقلة الحياء لو قلت لك إني أتمنى حيناً زوجاً صالحاً يخرجني من دار بلائي .. ما الحل فكلما تقربت منه شبرا بعد مني ذراعاً وكلما أتيته أمشي فر مني مهرولاً .. حواجز صلبة لا أعلم متى ستزال .. أنوار كنت فيما مضى عندما أسمع بمثل هذه الحوادث والقصص المحزنة أتأثر أيما تأثر ولم أتوقع يوما أن أمثل بطولة أحداث قصة مرعبة أعيش لحظاتها في حلقات متسلسلة دون توقف.. سامحيني فقد أطلت.....أ.ه حوار ساخن بيني وبين أحد الأخوات وله بقية لا مجال لذكرها توقعوا منها ما أردتم فهو الواقع ولا مفر من تجرعه.. سمعت كثيرا عن مثل هذه الحوادث بل الأشنع منها لكن ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة فحقيقة الوقوف على الواقعة والعيش مع خباياها ورأيتها رأي العين يقطع نياط القلب ولا مراء من هزة الوجدان ذهبت إلى منزلي ذلك اليوم وأنا شاردة الفكر لا أفتأ عن التفكير ولا أملك قطع الهاجس .. ما بالنا أصبحنا أمة تهوي إلى الثرى وتدع الثريا .. أمة تتأرجح في كفي الهوى غير آبهة بنتاج إنصاتها للعدو.. فمثل هذه الحوادث ما كنا نسمع لها فضلاً عن رؤيتها لافتقارنا إياها أما حاضراً فالحديث عن هذا الموضوع رغم استنكارنا له إلا انه قل اشمئزازنا منه لاستفحاله في أرض الواقع وما قصة المرأة التي ذكرها سمو الأمير خالد بن عبدالله بن فهد الفيصل بعنوان «قصة يندى لها الجبين» يوم الأثنين 18 من ذي القعدة 1421ه في صحيفة الجزيرة عنا ببعيد بل هي أكبر برهان وآية صدق على كل ما تقدم. لا أعلم كيف يهرب هؤلاء من مطاردة العالم لهم أم أنهم صم بكم عمي لا يعقلون إلا عند هز أوتار الطرب وإحياء سهرات الهلاك بالموت.. نعلم يقينا أنهم مساكين لحاجتهم إلى إرشاد أكثر إضافة إلى أنهم بائسون ميتون خواء داخلهم قشور من الخارج لا ينطبق عليهم إلا قول قائلهم: إذا ما الحي عاش بعظم ميت فذاك العظم حي وهو ميت لكن ما ذنب أسرهم الضعيفة وفلذات أكبادهم المستوحشين فهل يستمر جرس الخوف يدق قلوبهم حتى الممات وهل يستمر تساؤل تلك الفتاة عن وقت صلاح والدها طويلاً.. فما دون هذا الكلام إلا بطلب منها علها تظفر بحظ من دعواتكم ليفرج كربها بعد توفيق من وليها .. فجهودكم أيها المسؤولون نريد ودعواتكم أيها القراء مطلبنا.. إنارة: قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون» وقال صلى الله عليه وسلم .. «و لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» متفق عليه. أنوار الغريب - حائل