عرفت الشيخ عبدالله بن إدريس منذ الصغر حينما كنت في نهاية المرحلة الثانوية عام 1378ه.. كان من أوائل خريجي كلية الشريعة في الرياض عام 76ه، وصرت أسمع وأقرأ بأنه شاعر يلقي القصائد القوية ذات الحس المرهف والتأثير القوي والتصوير الصادق.. وله نشاط بارز في نادي الكليتين في الرياض حيث يلقي الكثير من قصائد الشعر ذات الخيال المجنح والاحساس العميق.. ونمت عنده هذه القريحة وعزم على الوصول إلى ما يطمح إليه من سمو ورفعة في هذا المجال الأدبي المهم.. فكان له ما أراد.. واستمر شاعرنا ينافس الكثيرين من عشاق الأدب والشعر.. ثم سنحت له فرصة ذهبية غالية حيث كلف برئاسة تحرير صحيفة الدعوة «الأسبوعية» واستمر فيها عدة سنوات.. كان ابن ادريس رجلاً حكيماً يكتب المقالات الهادفة، ولمقالاته جرس رنّان في الأوساط الاجتماعية حيث تلمح في كتاباته الكثير من الصراحة وقول الحق ولو كان مُراً، فقوي عوده وشب عن الطوق وأصبح فارساً في الصحافة والأدب.. استطاع أن يبدأ التأليف في مجاله، فأخرج لنا كتابه الدسم «شعراء نجد المعاصرون» وصار لهذا الكتاب صدى عميقاً في الأوساط الأدبية داخل المملكة وخارجها.. لأنه كما يظهر أول كتاب عن الشعراء النجديين المعاصرين تأليفاً ودراسة.. ومن المعلوم أن أكثر فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام هم من نجد.. فهذا الاقليم حفل بالشعر والشعراء على مدى الأزمان.. وقد توارثت الأجيال هذا النمط الأدبي وبرز الكثير من المبدعين في هذا المجال.. ويشاء الله سبحانه أن يقيّض ابن ادريس لتسجيل هذا الابداع وتوثيقه ونشره.. ومن أطرف ما سجله في كتابه تفاوت الشعراء في الحب بين حب ذاتي وآخر جماعي.. ويقول الشاعر عبدالله الفيصل: يا حبيبي لوعة الحب سعادة تزهد القلب فيسمو بالزهاده ويرى حرمانه في الحب زاده حين لا يبلغ في الحب مراده أما الشاعر خالد الفرج فيقول: لا أريد السعد أن يدخل بيتي بالهناء لست يا هذا سعيداً وأرى حولي الشقاء صحتي سقم إذا المرضى يعانون البلاء حينما أنظر من حولي إلى الموت يصير ولعل أصدق قصيدة شعرية قالها الشاعر ابن ادريس هي التي بعنوان «في زورقي» وهي تصور وتحكي خلقه ومثله ومبادئه في هذه الحياة كما يقول ومن هذه القصيدة الأبيات الآتية: لا ضير أني أرتئي شق المصاعب بالكفاح والحر يمقت عيشة يبقى العزيز بها ذليل أنا ما حييت فشيمتي تأبى التملق والخداع هل مبدئي غير الصراحة والنزاهة في الطباع أبداً أصون كرامتي رغم الصعاب العاتيات لن أنثني عن مبدئي فالحق أجدر بالثبات وقد طبع شاعرنا كتاباً آخر بعنوان هذه القصيدة الجميلة ضمنه الكثير من شعره الصافي الممتع.. لقد عمل ابن ادريس في وزارة المعارف ثم انتقل بطلب من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إليها ليعمل في مجال الثقافة والنشر وأشرف على التحضير لكثير من مؤتمراتها وندواتها.. كما أشرف على طباعة الكثير من المؤلفات والبحوث التي أصدرتها الجامعة ثم تقاعد بعد بلوغه السن النظامية.. وعند تسلمي الإدارة العامة للثقافة والنشر بالجامعة منه شعرت بالحمل الكبير لأن المخططات التي وضعها لتطوير مجال الثقافة والنشر في الجامعة كانت في منتهى الدقة والطموح.. فاهتديت على منواله واستفدت من طرقه وأفعاله حتى وصلت أعداد مؤلفات الجامعة إلى أكثر من سبعمائة كتاب انتفع بها الكثير من طلبة العلم ومؤسسات الفكر والقلم.. ولقد وافق شن طبقه، حينما عُهد إلى ابن ادريس رئاسة النادي الأدبي في الرياض واستمر فيه سنوات عدة حفلت بالكثير من الأنشطة لخير الأدباء والشعراء في هذه المنطقة.. ونحمد الله أن النادي الأدبي كان وفياً فبادر بتكريمه هذا التكريم الذي جسَّد أعماله وخيراته في حياته، فشكراً لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد الربيع رئيس النادي الأدبي على بادرته الطيبة وأكثر الله من أمثاله. (*) المستشار الثقافي بجامعة الإمام سابقاً