أكد عدد من المثقفين أهمية الإسهام الأدبي الذي قدمه الأديب عبدالله إدريس، خدمة للثقافة في المملكة، مشيرين إلى أن كتابه «شعراء نجد المعاصرون» وما كتبه من أشعار ومقالات، أثرى المكتبة الأدبية وقدم محطة مهمة من الأدب السعودي. وقال هؤلاء ل «الحياة» إن ابن إدريس يعد واحداً من رموز الأدب الذين ثابروا على الكتابة وواصلوا العطاء لعقود من الزمن، مشيرين إلى فترة رئاسته لنادي الرياض الأدبي. ويفتتح المهرجان الوطني للتراث والثقافة برنامجه الثقافي بندوة حول ابن ادريس، حياته وسيرته الأدبية والعلمية، يشارك فيها كل من حسن الهويمل وإدريس الدريس ومحمد الربيع ومسعد العطوي وإبراهيم التركي. ويقول الأديب حمد القاضي، حول تكريم ابن ادريس كشخصية ثقافية لهذا العام من المهرجان الوطني للتراث والثقافة: «طوفت قوافل الفرح في نفسي وأنا أرى تكريم أستاذنا الشيخ الأديب، هذا الرمز الأدبي والصحافي والشاعر الكبير والذي خدم منظومتنا الثقافية، وكان أحد روادها وبخاصة في المنطقة الوسطى، فقد كان أحد أوائل كتاب صحفها وأول رئيس تحرير لصحيفة «الدعوة»، فضلاً عن ريادته النقدية في كتابه الشهير «شعراء نجد المعاصرون»، والذي كان أول كتاب نقدي لدراسة الشعر في المنطقة، أما ابن إدريس بوصفه شاعراً فهو أحد الشعراء الكبار الذين أثروا مكتبتنا الشعرية السعودية بإنتاجه وأبرز دواوينه في «زورقي»، وكتابه الأخير الذي جعل عنوانه أحد أبرز قصائد الوفاء عبر قصيدته «أأرحل قبلك أن ترحلين» والذي خاطب فيه شريكته ورفيقة دربه، بقواف تفيض وفاء وشجناً بروابط وجدانية بينهما حفظهما الله». وأشار القاضي إلى أنه لا يمكن: «أن نغفل أنه أحد الكتاب التنويريين في بلادنا، الذين أسهموا منذ سنوات طويلة في تقديم الرؤى والمقترحات في بدايات انطلاقة منظومتنا التنموية، وقد حققت أطروحاته العديد من الإنجازات في التعليم والصحة والتنمية عموماً، وباختصار هذا التكريم جاء من قائد البلاد الذي يثمن عطاء كل مواطن خدم هذا الوطن الجميل، سواء بعمل أم حرف أم ابتكار». فيما أكد رئيس نادي الرياض الأدبي عبدالله الوشمي أن هناك شريحة من الأدباء والمثقفين في المملكة، «يمكن أن نصفهم بالمتفق عليهم، والأديب عبدالله بن إدريس أحدهم»، متسائلاً: «هل السبق الزمني والامتداد التاريخي هو السبب في ذلك؟»، مجيباً أنه «ربما. ولكن هناك أسباباً أعلى وأشمل، ولعل منها في ما يخص ابن إدريس أنه مر في المشهد الثقافي وأحدث أثراً لا ينكر بتاتاً، أو أنه صنع دوياً كما هي عبارة شوقي، وما زال نشطاً في إطاره الخاص، ولعل السبب الأعلى في ذلك أنه متعدد المواهب والاختصاصات، فهو شاعر شق طريقه منذ بداياته، وعرف به، وأصبح من الرعيل الشعري الأول، وهو إداري من خلال وظائف الجامعة أولاً، والنادي الأدبي بالرياض ثانياً، وهو إعلامي ترأس تحرير الدعوة وأسهم في الكتابة والمناقشة والجدل في مختلف القضايا، وهو ناقد وباحث مهم، ويكفي هنا الإشارة إلى كتابه شعراء نجد المعاصرون، وهو الكتاب الذي شكل تحولاً في الحس النقدي إبان صدوره»، لافتاً إلى أن التكريم لابن إدريس «تتويج للمسيرة، وتسجيل توثيقي للحب والتقدير المبكر الذي حصده الشيخ، وأما في مسار الشعر والنقد والإعلام والإدارة الثقافية، فقد رصد المشهد الثقافي مسيرة الشيخ، وقدرها بشكل كبير، وما زالت فعاليات عدة تتحرك وفق موجهات مثقفين قلائل أحدهم الشيخ عبدالله بن إدريس حفظه الله ورعاه. ويشدد الكاتب الصحافي عبدالله الكعيد على مكانة عبدالله بن إدريس المرموقة. وقال: «رجل من بلادي نذر نفسه للأدب يتنفس الشعر الذي يبدي فيه وبه وفاقه مع الوجود، رائد من رواد الحرف والكلمة في نجد تُذكر الصحافة فيّذكر أحد ثلاثة علامة الجزيرة حمد الجاسر والأديب عبدالله بن خميس وصاحبنا الأديب الأريب عبدالله بن إدريس، وحين يتم تكريمه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) وهو في نظري أهم حدث ثقافي يقام في بلادنا، فهو الاعتراف على أعلى مستوى بقيمة وقامة الرجل وما قدمه، طوال مسيرته الحافلة بثراء المُنتج الفكري والأدبي وهو تكريم بلا شك يستحقه»، مشيراً إلى الحاجة إلى أكثر من مناسبة «لتكريم الرواد الذين أفنوا أعمارهم في غزل نسيج المجتمع الفكري والثقافي، وكما قيل فإن الأحياء أولى بالتكريم من الأموات فشكراً لوطن لا ينسى رواده». المرأة وفتح باب المشاركة من جهة أخرى، أكد الأديب عبدالله بن إدريس أنه يعتز كثيراً أنه من أوائل من ساهموا بفتح باب المشاركة النسائية للمرأة السعودية في المجال الثقافي والأدبي، «لتحقيق طموحاتها، وأن تكون لها إيجابية ثقافية من خلال العمل الأدبي، كما أنني في بداياتي كتبت عن حقوق المرأة وأهمية أن تأخذ حقها في المشاركة والتنمية». ولا ينسى أن يوضح أنه استكتب بعض الكاتبات في صحيفة «الدعوة»، حين كان رئيساً لتحريرها، ومن أشهرهن خيرية السقاف. كما قال إنه سعى إلى استقطاب المرأة إلى نادي الرياض الأدبي لحضور نشاطاته، وعلى رغم أن مكان النادي الأدبي لا يسمح بمكان مخصص للنساء، إلا أنه تجاوز هذه العقبة من خلال استئجار قاعات في الفنادق القريبة، والتي تتيح للمرأة العمل واحترام خصوصيتها. وعن أحلامه ومشاريعه الخاصة التي حلم في تحقيقها، أوضح ابن إدريس أن ما حلم به ثقافياً «تحقق وبخاصة في ما يتعلق بتطوير العمل الإداري، وما يتعلق بمشاركة المرأة، وتطوير المشهد الثقافي ويمكن القول إنه تحقق منها ما نسبته 80 في المئة، وبخاصة أننا نشهد الآن واقعاً ثقافياً عالمياً، ونحصد جوائز دولية في هذا المجال، ويتم تكريم الأدباء والمثقفين محلياً وعالمياً»، مؤكداً أن المملكة وصلت إلى مرحلة «أعتز بها في هذا الجانب، فالمثقفون عملوا على تطوير أنفسهم وأصبحوا متمكنين من أدواتهم الفكرية والأدبية، سواء في الجانب النسائي أم الرجالي، وأنظر الآن إلى هذه الحصيلة وأجدها جيدة وأعتز بها». وحول تكريم الدولة له في مهرجان الجنادرية الثقافي، وماذا يعني له، أشار إلى أن التكريم «عبارة عن حصاد العمل الثقافي لأكثر من 60 عاماً بنتاج متنوع شعراً ونثراً ومقالات وإصدارات، منذ بداية رئاستي لتحرير صحيفة «الدعوة» والنادي الأدبي وأمانة الأمين العام لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتكريم تحصيل حاصل لهذه الجهود». وبمناسبة تكريم بن إدريس صدرت المجموعة الكاملة لشعره، وتحتوي دواوينه الثلاثة، وصدر معها كتيب صغير يحوي أجمل قصائده مع CD بأصوات إذاعية مميزة، وستكون أولى نسخها هدية لخادم الحرمين الشريفين. واعتبر الدكتور محمد العوين أن لشخصية ابن ادريس التأثير الأقوى «في منعطفات الأدب والثقافة في المنطقة»، مشيراً إلى أن اختياره شخصية مكرمة يمثل قمة الوفاء للعاملين وغاية التقدير لمن حملوا مشعل الكلمة المضيئة النيرة المبشرة بالمستقبل خلال خمسة عقود من عمر النهضة الأدبية في بلادنا». وقال: «هذا هو الأديب الرائد الذي يكتب بعفوية ماتعة سمحة، كطبيعته الشفافة التي لا تواري ولا تداهن ولا تتخبأ. وهو الأستاذ الرائد في إقدامه على التعريف بأدبنا بجمع الاختيارات للمجاميع والأعداد الكثيرة من المبدعين، كما جرت به همم السابقين، ممن أشغلهم التهميش والتجاهل على الخريطة الأدبية العربية، قبل أن نستطيع نحن أبناء الأجيال اللاحقة أن نقدم أنفسنا ونتاجاتنا مباشرة إلى إخواننا العرب من النقاد والدارسين منفردين من دون أن يشاركنا أحد في ما نطبع أو ننشر». وأشار الشاعر أحمد الواصل إلى أن كتاب ابن ادريس «شعراء نجد المعاصرون» (1960) «حالة الحداثة الثقافية إبان منتصف القرن الماضي، التي حفلت بكتابات خارجة عن زمانها تلك الفترة، وإن بدت تثير التساؤل بقدر ما يسيطر انطباع الدهشة منها، لمفكرين وأدباء وشعراء من محمد حسن عواد وعبدالله عبدالجبار وعبدالله القصيمي وعبدالله الطريقي وإبراهيم فلالي»، لافتاً إلى أن أهمية الكتاب «تنبع من المستوى النظري في مقدماته وبياناته عن تاريخ الشعر وتطوره في المنطقة الوسطى، وعن التثاقف العربي – العربي، والعربي- الأوروبي، والموقف الرقابي الرسمي والشعبي من الأدب الخارج عن الأطر التقليدية آنذاك، وبيان الموقف من التيارات الأدبية التقليدية والتوفيقية».