وهي قراءة لقصيدة عنيزة التي زارها شاعرنا الكبير الدكتور عبدالرحمن صالح العشماوي ونشرتها جريدتنا الكبيرة «الجزيرة». وعنيزةالمدينة الثانية في القصيم وهي اليوم محافظة. وكانوا يسمونها «باريس نجد» طبعاً في النهضة العلمية والأدبية والفنية واشعاع النور وليس للخلاعة وما شابه. والقصيدة من البحر الوافر «مفاعلتن مفاعلتن فعولن» في كل شطر: 1 عنيزة يا مطرِّزة الخيالِ على ما رقَّ من ثوب الرمالِ وعنيزة هذه غير عنيزة صاحبة امرئ القيس التي وردت في معلقته التي مطلعها: قفانبك من ذكرى حبيب ومنزلِ بسقط اللوى بين الدَّخُول فحوملِ فتوضحَ فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمألِ (ولعل توضح هذه هي التوضحية بعد الخرج على طريق سكة حديد الدمام) يقول امرؤ القيس الذي سمّوه «الملك الضلّيل»: ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ فقالت: لك الويلات إنك مُرجلي والخدر بيتها وخيمتها. تقول وقد مال الغبيط بناَ معاً عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزلِ (خائفة على البعير فقط). وكنت فيما مضى من السنين الخوالي أسمع في الاذاعة السعودية أغنية «صباح الشوق يا بريدة» وفيها ذكر عنيزة.. أغنية جميلة لا أذكر الآن إلا هذا المطلع ولا أعرف من غناء وتلحين وكلمات مَنْ. والتطريز النقش في الثوب وغيره والطراز النوع جمعه طُرُز - وبيني وبينكم - لا أحب هذه الكلمة فهناك النقش والرسم والتشكيل والتلوين وتقول العامة: «قلة الشُّغُل بتعلّم التطريز» واعرف عن الفدائيين الأسرى في فلسطين - فكّ الله إسارهم - أنهم يتسلّون بالتطريز، وقد رأيت من اعمالهم تطريزاً لقبة الصخرة في القدس. على مارق من ثوب الرمال: (لعل عنيزة رققت من ثياب رمالها لتبدي مفاتنها) كما قلت في صباي : تضع الرقيق من الثيا ب على بياضٍ منتشرْ ما قد خفيْ من جسمها أقل مما قد ظهرْ ولكن ولأن الشتاء قادم وبرد نجد المشهور (اشتقنا له كثيراً) على الأبواب فلا بأس أن تدفئها - عنيزة - ببعض «البطانيات» الإسبانية. 2 أعاشقة الرمال، وفي يديها حقول الحب وارفة الظلالِ والهمزة حرف نداء للقريب، وعاشقة منادى منصوب لأنه مضاف: والهمزة وأي لنداء القريب، ويا وأيَا وهيا وآ لنداء البعيد حقول الحب: حسناً أنك زرعت الحُبّ - لا الحَبّ في الحقول. وارفة الظلال: والحقول تحتاج للشمس والفيء (الظلال) معاً. ثم ما رأيك لو زرعت الحُبّ في (البيوت المحميّة) فهو فعلاً يحتاج إلى حماية، وروّيته (بالتنقيط) حتى لا يجرفه السيل، ولا تسرف في الحُبّ فيتحول إلى عشق وجنون. قالوا: جننت ممن تهوى فقلت لهم ما لذَّة العيش الا للمجانينِ وقالت ذائعة الصيت صباح: يا ميجنا ويا ميجنا ويا ميجنا مجنون ليلى ما تعذب مثلنا 3 إذا هبَّتْ رياحُ الشعر فيها ترفقتِ العواصفُ بالتلالِ ولا أعرف لماذا يذكّرني هذا البيت ببيت أبي الطيب: إذا غنّى الحمام الوُرْقُ فيها أجابتهُ أغانيُّ القيانِ والقيان ج قَيْنة وهي المغنية. والقَيْن: الحدّاد أما إذا فكما يقول النحاة: ظرف لما يُستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه: يعني: أن جملة الشرط مخفوضة «في محل جر» بالاضافة. ومنصوب بجوابه: يعني: جواب الشرط هو عامل النصب. ولا علاقة - في البيت الثالث - للشطر الأول بالثاني فهو كما يقال: اذا سافرت عمتي الى الظهران طبخت جارتنا مكرونة. والشرط والجواب مترابطان ومتقاربان. نقول: اذا نجح زيد كافأته منطق؟! 4 سألت الواحة الخضراء عنها فكان جوابها حلم السؤالِ 5 تقول الواحة الخضراء إني سأكشف عن هواي ولا أبالي أولاً: الشاعر بدأ القصيدة بنداء عنيزة في البيت الأول والثاني ولم يخبرها لماذا ناداها: نحن نقول: يا محمد تَعال. والشاعر قال: عنيزةُ، أعاشقة الرمال فلو قالت له: نعم بِمَ تأمرني؟ فلا جواب. ثانياً: ما هو حلم السؤال؟ ثالثا: هل الواحة الخضراء هي عنيزة أم القصيم بعامة؟ رابعاً: الواحة الخضراء أجابت: ستكشف عن هواها وحبها لعنيزة عنيزة تحب نفسها؟ مسألة فيها نظر. وبمناسبة «مسألة فيها نظر» ولما يحدث في فلسطين هذه الأيام خذوا هذين البيتين: قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفرْ وقتل شعب كامل «مسألة فيها نظرْ» وأخيراً تذكرت - مع البيت الخامس - البيت المشهور: لا تُخفِ ما فعلت بك الأشواقُ وافضح هواك فكلنا عشّاقُ 6 هنا يا سائلي أطياف ذكرى مكحلة العيون بلا اكتحال والكحل في العينين جمال واذا كان الجمال (سواد العينين وأطراف الجفون والرموش) بدون كحل فهو أجمل، وهو خلقة الرحمن. قالت الأغنية: آه يا اسمراني اللون حياتي الاسمراني حبيبي وعيونه سود أما الكحلة ربّاني 7 هنا الماضي وحاضرنا لقاء تشدّ به لنا أقوى الحبالِ والحبال تذكّر بالعتالين والحمالين، والأسباب والعلائق أجمل من الحبال. قال امرؤ القيس في معلقته: فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شُدت بيذْبلِ ومغار الفتل: الحبل المتين ويذبل جبل. والماضي والحاضر طباق بلا جمال مبتذلة 8 وما ذرات هذا الرمل الا كتابٌ ضم أخبار الرجالِ ويا شاعري اذا كتبت أسماء الرجال على الرمال ذهبت بها الرياح السوافي. وليتك قلت مثلما قالت فيروز: بكتب اسمك يا حبيبي عَ الحَوْر العتيق (طبعاً بالهمزة) بتكتب اسمي يا حبيبي ع رمل الطريق ولما بتشتّي الدني ع الأرض المجرحة بيبقى اسمك يا حبيبي واسمي بينمحى (والحور العتيق الصخر). 9 تراكمت الخطى في كل درب سجلاً للأوائل والتوالي * فما أجمل من تشبيه طي السماء بطي السجل. اما الخطى على الرمل فيعفّيها حتى النسيم. 10 - وقد رسمت خطى الماضين فيها ملامح من عناء وارتحالِ من عناء وارتحال أحسن لو قلت من عناء الارتحال. الماضين أحسن منه: الآباء والأجداد. 11 وبين الأثل والكثبان حلفٌ على صدق التآلف والوصالِ والأثل هو السِّدر وأغصانه لدنة وثمره النبق والعبريّ.. قال الشاعر النبطي: يا جرّ قلبي جرّ لَدْنَ الغصونِ وغصون سدرِ جرها السيل جرّا (طبعا لم يجرّها بالكسرة) على الذي مِشْيِهْ تخطّ بهونِ والعصر من بين الفريقين مرّا يا ليتهم بالحِبِّ ما ولّعوني كان ابعدوه عني بخيره وشرّا والحِبّ هو الحبيب. ولاّ انّهم يوم انّهم ولّعوني خلّونيَ اقضي حاجتي واتدرّى (وعسى أن تكون حاجته عفيفة) وان متّ قبل صويحبي فادفنوني في مستكن القلب ما ريد برّا 12 به الأيام تشهد وهي تمضي على قدر، وتثبته الليالي اي ان الليالي والأيام تثبت وتشهد بتحالف الأثل مع الرمل (فقط). 13 على أوراقه توقيع شمسٍ به شهدت وتوقيعُ الهلال وأحسن من التوقيع الخَتْم والمَهْر (في الشعر) والتوقيع للمعاملات الرسمية. * .. والهلال أحب النوادي إليّ رفع الله شأنه وفرّج كربته وحل عقدة رياسته. والتوقيعات فنٌّ أدبي انتشر في العصر العباسي وهي رسائل مختضرة مثل: «عينُك في الكتاب ورجلُكِ في الركاب» لعزل الولاة. و«كما تكونوا يولى عليكم» لمن اشتكوا من واليهم. و«كثر شاكوك وقل شاكروك، فاما اعتدلت، واما اعتزلت».. تهديد بعزل الوالي. وكتب معاوية رضي الله عنه الى عروة بن الزبير رحمه الله وقد طلب ثمانين ألف جذع لبناء بيت: «بيتك في البصرة أم البصرة في بيتك؟» 14 «ووادي الرمة» العملاق يفضي بأخبار عن الماضي طوالِ ولا جديد «كسابقه». 15 يحدثنا حديث أبٍ وجدٍ وعمٍ فارق الدنيا وخالِ 16 ويخبرنا بأسرار طوتها عن الاذهانِ أيام خوالِي أولاً: ما عرفنا الحديث ولا الأسرار: (بقيت أسراراً في صدر الشاعر). ثانياً: أب وجد وعم فارق الدنيا وخالِ (كلهم فارقوا رحمهم الله أفلا قلت: فارقوا). ثالثاً: الأب قل ان يستشهد به على الأموات وانما يقال الآباء. والعم والخال لا يستشهد بهما على ذلك. رابعاً: الشاعر متأثر بعلم الحديث الشريف ومصطلحه وطرق التلقي، وأقواها سمعت، وبعدها يأتي حدثنا «ثنا» وأخبرنا «أنا». 6 الأيام الخوالي تذكّرني بأغنية «قصة الأمس» الرائعة للراحلة أم كلثوم كلمات احمد فتحي (صاحب قصيدة الكرنك أغنية للراحل محمد عبدالوهاب) وألحان السنباطي: ذكرياتٌ عبرت أفق خيالي بارقاً يلمع في جنح الليالي نبهّت قلبي من غفوتهِ وجلت لي سِتْرَ أيامي الخوالي كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي إنها قصة حبي 17 على كفّ القصيم غرست لوزاً وتفاحاً وشتلة برتقالِ واللوز والجوز من المكسرات والتفاح من التفاحيات كالكمثرى والسفرجل: أسمرهلّ سيد الكلْ ورد وفلْ سفرجلْ أغنية جميلة لمطرب خليجي نسيت اسمه. والبرتقال يزرع بالشتلة أم بالعقلة أم بالبذرة؟ (أنا ما أعرف). 18 وبلَّغت المنى منها فؤادي وشيدت البناء لها حيالي أي بناء؟ 19 ومن هيف النخيل رفعت ثغراً رفعت به الى المولى ابتهالي والهَيَف خماصة البطن (مسح بلا كرش) قال الحصري «كَلِفٌ بغزال ذي هَيَفٍ». والهيف من مقاييس الجمال. قال كعب بن زهير رضي الله عنه: بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ متيَّمٌ إثرها لم يُفدَ مكبولُ وما سعاد غداةَ البين إذ رحلوا الا أغنُّ عضيضُ الطَّرفِ مكحولُ هيفاءُ مقبلةً، عجزاءُ مدبرةً لا يشتكى قصرٌ منها ولا طولُ غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها كأنها أحور العينين مكحولْ (مقاييس الجمال: لا بطن ولا كرش، مع عِظَم الخلف لا العكس توسط في الطول، بيضاء، طويلة الشعر، مصقولة الأسنان). 20 أتيت وراية التوحيد فوقي تمد يد الجنوب الى الشمالِ ونِعْمَ الراية: علم المملكة العربية السعودية والنور المسطّر على الأخضر الأنضر: لا إله إلا الله محمد رسول الله. والجنوب جنوب المملكة بلد الشاعر من جيزان «عراء» والشمال هنا القصيم. 21 فلله القوافل حين سارت تقاوم ما تواجه من كَلالِ فلله: استغاثة اصلها (يا لَله لِلقوافل) لام المستغاث به مفتوحة ولام المستغاث له مكسورة. قال قيس بن ذريح (مجنون لبنى).. وقصته باختصار انه كان متزوجاً من لبنى وجعلت أمه «تَزِنُّ» فوق رأسه حتى طلّقها ثم «انهبل وجُنّ». قال حين رأى ظبية في البرّ وقد فزعت إذ رأته: ألا ياشبه لبنى لا تُراعي ولا تتيمَّمي قُلل القلاعِ فواكبدا وعاودني رُداعي وكان فراق لبنى كالخِداعِ تكنّفني الوشاة فأزعجوني فيا لَله لِلواشي المطاعِ فأصبحت الغداة ألوم نفسي على شيء وليس بمستطاعِ كمغبون يعَضُّ على يديه تبيّن غُبنه بعد البياعِ والقوافل وشعر الأسفار وكلال الرواحل ما زالت مستمرّة من عصر الأعشى الى عصر عبدالرحمن العشماوي. قال الأعشى عن ناقته: وتراها تشكو إليَّ وقد حا لت طليحاً تكْسى صدور النعالِ (هزلت وهرئت نعالها من اسفل ولم يبق الا اعلاها كانوا يُلبسون الرواحل نعالاً) لا تشكَّي إليَّ من ألم النسع ولا من حفىً ولا من كلالِ (والنسع والأنساع الأربطة الجلدية على الناقة). 22 أتيت لكي أبلّغها سلاماً يفيض على الرمال من الجِبَال (رمال وجبال.. جغرافيا) طبعاً يريد جبال تهامة عسير ورمال القصيم. 23 أتيتك يا عنيزة والقوافي تسابقني وبرج الحب عالي والواو هذه واو الحال. لكن لماذا وضعت الحب في برج (عالي)؟ هذا دليل على العزلة والاستكبار. 24 وذوب الشوق في شعري نداء يقرِّبني ويرخص كل غالي والظاهر أنك ذهبت لعنيزة بدعوة فلم تتكلف رخيصاً ولا غالياً. 25 وما أسرجت الا الشعر خيلاً عراباً لا تهاب من النزال لعلك ذاهب إلى معركة ولكن مع من؟ 26 رأيتك يا عنيزة فاستثيرت لواعج ولم يقاومها احتمالي وهذه فرحة اللقاء ودموع الفرح: فألقت عصاها واستقرَّ بها النوى كما قرَّ عيناً بالإياب المسافرُ 26 فعذراً يا حنينَ القلب إن لم أدعك تزيد من وهج انفعالي فعذراً : وهذا يسمّونه (مصدراً نائباً عن فعله نائباً عن المفعول المطلق) مثل: قول الشاعر الخارجي قطري بن الفجاءة. فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيلُ الخلود بمستطاعِ 27 أريني وجه شيخ كان رمزاً لعلم الشرع ميمون الخصالِ * وكل مصيبة بعد مصيبة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم تهون. قال سبحانه: {كٍلٍَ مّنً عّلّيًهّا فّانُ وّيّبًقّى" وّجًهٍ رّبٌَكّ ذٍو الجّلالٌ وّالإكًرّامٌ} *الرحمن: 26 27* . 28 ففي ذكرى العثيمين احتفالٌ بميراث الهدى أي احتفالِ رحمه الله تعالى. 29 أريني ياعنيزة منه وجهاً مضيئاً بالهداية والجلال ولا سبيل لذلك «لو كان ذلك يُشترى أو يرجعُ». 30 فعلم شريعة الرحمن أسمى وأقرب ما يكون من الكمالِ بل علم شريعة الرحمن هو الكمال وحده. وأسلوب هذا البيت يذكرني بالآتي: أقول لصاحبي والعيس تهوي بنا بين المنيفة فالصِّرارِ تمتع من شميم عرار نجدٍ فما بعد العشية من عرارِ فان الليل أقصرُ ما تراه وأقرب ما يكون من النهارِ 31 - أحبُّ الشيخ حُبّاً لست ادري مداه ولا أجاوز أو أغالي والحب في الله والبغض في الله هو المطلوب. والمرء مع من أحب. 32 تلالك يا عنيزة صافحتني بإصغاء يُسَرُّ به مقالي تلالك صافحتني: استعارة مكنية. 33 أرى الوسميَّ يرقبها بعينٍ تثير صبابة السُحُبِ الثقالِ والكلام عن المطر والدعاء بالسقيا قديم في الشعر العربي وهو مطلوب: سقى الله نجداً والمقيم بأرضها بغيث هتون صادق البرق والرعدِ 34 وأحسبه سيبكيها بكاءً يروّي دمعه ظمأ التلال والمطر كالدموع قديم. قال البحتري في بركة المتوكل: فحاجب الشمس أحياناً يضاحكها وريّق الغيثِ أحياناً يباكيها 25 عنيزة إنها روح التآخي بها تسمو النفوس إلى المعالي التآخي مع من؟ وهل فيها أعراق وأجناس لتظهر فيها روح التآخي. يا أخي كلهم أهلٌ وعشيرة وإخوة؟. بها تسمو النفوس إلى المعالي.... إلخ لماذا؟ 36 إلى ذرات رملك تاق شعري كما تاق الأذانُ الى بلالِ تشبيه بعيد ولا علاقة.