بغيضة للقلب أنتِ، كزفرات الخريف، هكذا كنتي وتبقين، أيتها الريح الغربية. عندما تهبين نرى؛ تدافع أوراق الشجر المتساقط أمامك، فتبدو في هروبها منك؛ أشبهُ بالأرواح الشاردة من بطش الساحر الجبار. صفراء كنتِ، أم سوداء، شاحبة كنتِ، أم حمراء، فوباؤكِ سيطال دوما الجموع. تهبين فتحملين معك البذور المجنحة؛ إلى مهجعها الشتوي المجلل بالظلام الدامس، فترقد في سبات كالجثث في أضرحتها. وما أن يحل الربيع؛ حتى تأتي شقيقتك الأخرى تلك الريح اللازوردية، فتوقظ تلك البذور من أحلامها الوردية؛ لتنبت براعمها الغضة، فيتسارع نموها وينساب كما القطعان البيضاء، التي تخرج في الهواء الطلق لتقتات العشب الأخضر، وحينها؛ تمتلئ السهول والتلال بألوان ورائحة الحياة. أيتها الريح أنتِ روح برية تتنقل في الزوايا والأركان، فتدمرين أحيانا، وتحافظين فينة أخرى. (فلتنصتي .. رجوتك ياريح أن تنصتي) ** تيارك يجتاح السماء البهية فيبعثر الغيوم مثلما تتساقط أوراق الشجر الذابلة على الأرض حين تنتزعينها من أغصان المحيط والسماء المتداخلة. وهناك، على السطح المزرق لدفقك الهوائي؛ يتناثر.. المطر والبرق كشعر لامع ينتصب على هامة « منيادة » كللتها الشراسة. هكذا تعصفين وتجلجلين، منطلقة من حافة الأفق المعتم باتجاه السماء وعلوّها. أيتها الريح؛ أنتِ أغنية عام يحتضر وهذه هي ليلته، فستغادرينه مسجى في رمسه، بعد أن تصبي عليه جبروتك وجام غضبك، الذي سيصب على قبة ضريحه وابل من مطر أسود ونار، وآخر من البرد. (فلتنصتي .. رجوتك ياريح أن تنصتي) ** أيتها الريح؛ يامن أيقظتِ البحر الأبيض المتوسط؛ ذو الزرقة الفاتنة من سباته، حين كان يهدهد مهده تكور أنهاره البلورية، حيث يرقد إلى جانب جزيرة بركانية نخرة في خليج « بايا ». كان - في منامه - قد راودته رؤيا لأبراج وقصور عتيقة، تنتابها رعشة جراء الموجة المتوترة التي طالتها، ونمت على جنباتها طحالب، وزهور تميل للزرقة جمالها يفوق الوصف. أو تعلمين.. أيتها الريح؛ إن في سيرك تُلْقي قوى المحيط بنفسها، في الهوة السحيقة. في حين؛ في أعماق البحر حيث تتموضع غابات وبراعم طينية تجللها وريقات أشجار تخلو من العصارة؛ يُعْرَفُ صوتك حق المعرفة! فترتعد فرائصها، ويكسوها لونًا رماديًا هلعا منك. (فلتنصتي .. رجوتك ياريح أن تنصتي) ** أيتها الريح، ليتني ورقة غصن يَبِسْ، كي تحمليني على أكفك المهراقة، أو ليتني سحابة أصحبك في طيرانك، أو موجة ينتابها اللهاث جراء سطوتك، لكنها في ذات الوقت؛ تنال حظًا من قوتك. أيتها الريح؛ يامن لايسيطر عليها أحد، ليتني لم أزل في صباي؛ لأكون رفيق جولاتك في قلب السماء. فقد كانت سرعتك في تلك الأزمنة بطيئة، أستطيع أن أسبقها بأقل جهد، بيد أني لم أفعل ذلك حتما. وهأنذا الآن أعي؛ بأن تجاوزك قد أضحى صعب المنال، رغم حاجتي لفعل ذلك. أواه .. ياريح ليتكِ تقدمين على رفعي فوق أكفكِ، كما الموجة أو الورقة أو حتى السحابة. فهأنذا أتردى فوق أشواك الحياة؛ فيصيبني النزف. وهأنذا المعتد بنفسه، العصي على الترويض؛ قد غدوت رهنًا لزمنٍ، حنى ظهري وقيد حركتي. ** أيتها الريح! فلأكن قيثارتك كتلك الغابة، فأوراق عمري، قد باتت تتساقط كما أوراقها، تحت صخب إيقاعك المتفجر الجبار، الذي يأخذ مني ومن تلك الغابة بالسواء؛ نغمًا خريفيًا جاذبًا سِمَتْهُ العمق، رغم الحزن الذي يكسوه. فلتكوني أيتها الريح الجامحة، روحا ملؤها الشراسة كروحي، ولتأخذي بأفكاري التي قضت نحبها، فتطوفي بها في الأكوان، كما الأوراق التي ذبلت، كي تعجلي بانبعاث جديد، وتزيدي من قوة تعويذة هذه القصيدة. أيتها الريح! فلتبعثري أشعاري بين بني الإنسان، كما تبعثرين رماد المواقد. أيتها الريح! إلى تلك الأرض التي لاتزال تغرق في سبات، كوني أنتِ عبر منطوقي وكلماتي قيثارة نبؤة. وختاما؛ أيتها الريح أخبريني؟ حين يحل الشتاء؛ هل عساي أن ابتهج بقربِ الربيع؟! ** ** شعر: بيرسي بييش شيلي