ضمن حديثي عن عنصر «التركيز على العلوم والرياضيات» كأحد مجالات التطوير التي اهتمت بها الدول المتقدمة تعليمياً في النتائج الدولية فإن ما سبق تقديمه عن مناهج العلوم وضرورة الإبداع في تقديمها في صورة مشوقة وبطريقة إبداعية جديدة ينطبق أيضاً على الرياضيات الجافة، حيث ينبغي إثراؤها بالكثير الكثير من التطبيقات العملية والخروج من متلازمة المناهج الطويلة المكثفة إلى المناهج المركزة والتي تقوم على التطبيق والتدريب المستمر على المهارات، الإغراق في التنظير في رياضياتنا هو ما جعلها «صعبة» و»غير ممتعة» وهذا «تاريخياً» ذنب أساتذة الرياضيات الجامعيين الذين تولوا زمام التأليف لينقلوا جوهم النظري إلى صفحات كتب الطلاب، يضاف إلى ذلك أن الرياضيات الأولية في المراحل الأولى (خاصة الابتدائية) فقيرة بالتمارين فهي كتب تشرح وتقدم مثالين وكم سؤال، بينما الرياضيات عند غيرنا صفحات من التدريبات والتمارين التي يعمل عليها الطلاب حصصاً متعددة قبل أن ينتقلوا للموضوع التالي، وهذا ليس بالضرورة متجسداً في الكتب المدرسية بل هو واضح أيضاً في ممارسات المعلمين، ويجتهدون في تكثيف هذه التمارين للطلاب وتقديم التغذية الراجعة لهم ويرون أن هذا دورهم الرئيس وليس مجرد الشرح فحسب كما يراه معلمونا، ولهذا السبب تجد طلابنا يتعبون جداً في اجتياز اختبار القدرات والذي يقوم على المهارات الأولية في المرحلة الابتدائية، كما أن مستوى هذا الاختبار لا يقارن أبداً بنظيره الأجنبي SAT أو GCSE والذي ترتقي مسائله إلى مستويات أعلى بسبب أن المهارات الأولية التي «يفحط» فيها طلابنا والتي تدور حولها مسائل اختبار القدرات هي مسلمات بالنسبة لأولئك الطلاب، ولهذا تجد بوناً شاسعاً بين طلاب التعليم العام وطلاب البرنامج الأجنبي أو المدارس الأجنبية فأولئك يُعدّهم معلموهم وأهلوهم لهذه الاختبارات المتقدمة جداً عن اختبار «قدراتنا» فتغدو مهاراتهم الأولية متميزة. وهذا ليس سببه الوحيد جودة المعلم وحسن الشرح فقط ولكن الزمن الأكبر الذي يمضيه هؤلاء الطلاب في التعلم والتدريب والتمرين على مسائل المهارات الأساسية، سواء كان من خلال المنهج نفسه أو الأنشطة الإضافية، ومن هنا فإن هذا البرنامج لا يستمر فيه إلا الطلاب المتسمون بالأداء والطموح العالي كما يدعمهم رعاية والدية متقدمة وناضجة وقادرة على المساندة العلمية في هذه الموضوعات، غيرهم من الطلاب قد يكونوا أذكى وأحسوأمهر ولكنهم يؤثرون راحة البال فيتجهون للمدرسة العادية، أنا لا أطالب أن تتحول مناهجنا إلى كم المناهج الأجنبية (وقد حدث فعلاً من خلال مناهج ماكجروهيل مع الأسف) ولكني أدعو إلى تبني منهج متوازن يراعي مستوى طلابنا ويستفيد من «الممارسات» الدولية وأبرزها «التمرين المستمر» وتكثيف الأسئلة والمسائل للطلاب قبل تكثيف الموضوعات، أي يكون كم المنهج من خلال وفرة تدريباته لا من خلال تعدد موضوعاته، بهذه الطريقة لن يغادر الطلاب الموضوع إلا وقد أتقنوه من خلال التزام المعلم بتقديم هذا الكم من التدريبات لهم. عطفاً على إشارتي لمناهج ماكجروهيل، فقد اطلعت على كتاب الصف الرابع الابتدائي مؤخراً وهالني ما رأيته من موضوعات متقدمة على إمكانيات الطالب المتوسط لدينا وهي متقدمة أكثر على قدرات معلمينا التدريسية، خاصة لتقديم مواضيع متقدمة كانت تقدم في سن أكبر سابقاً لطلاب أصغر سناً اليوم! وليت الأمر يتوقف عند ذلك بل كما أسلفت التمارين قليلة جداً والموضوعات كثيرة ومتشعبة و»محسوبة» على قدر حصص الفصل الدراسي فلا يسع المعلم أن يجتهد ليحضر مسائل إضافية يقدمها لطلابه فهذه قد تحتاج إلى حصتين أو ثلاث بينما هي مخطط لها أن تكون للشرح، مما سيجعله متأخراً في المنهج، وهذه المتلازمة متكررة في كل مناهج العلوم والرياضيات على الدوام، ينبغي أن تكون التمارين والمسائل المكثفة جزءًا من خطة المنهج وتحسب لها 3 إلى 4 حصص لكل موضوع فيتمكن المعلم من متابعة كل طلابه والنهوض بهم من خلال هذه التمارين. هكذا سنتفوق في الاختبارات الدولية للرياضيات والعلوم وسيتفوق طلابنا في دراساتهم الجامعية وسيفهمون ما يدرسون بل ويستمتعون به، الرياضيات مسائل وحلول يا أساتذة الرياضيات وليست موضوعاً يشرح مع مثالين والسلام، فمتى تنتهي هذه المعضلة؟!