تباينت وجهات نظر الشعراء عن أسباب شيبهم المبكر؛ إنْ صِدْقًا أو ادعاء. وقد حاول بعضهم أن يجعل من حوادث الدهر سببًا للشيب المبكر، مثل تميم بن خزيمة الذي يقول: ورد عبدالله بن جنح النكري على الغانيات حين زعمن أن مشيبه لتقدم عمره بأنه بسبب الحروب التي خاضها للدفاع عن القبيلة، وعنهن: ويجعل الشاعر الفارس أبو فراس الحمداني - الذي توفي ولم يبلغ السابعة والثلاثين - من الشيب الذي باكره دليلاً على فروسيته وطول قتاله، وملاقاته الأهوال من سجن وأسر: حتى لقد أصبحت الندوب في خده مجالاً لحديث الفتيات المولهات: وقد وخط الشيب الشريف الرضي مبكرًا فتخوف من أن يدل الموت عليه، وود لو افتدى سواد الشعر بسواد عينه أو سويداء قلبه، فيقول: ويختصر الشريف الرضي ما به من شيب في أنه غبار معركته مع الدهر: ويلحق الشيب الشاعر الأندلسي ابن زيدون وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره، بسبب ما عاناه في غياهب السجن وهو في ربيع عمره، فيقول: وحلَّت الشيخوخة المبكرة بالشاعر حسين سرحان بسبب ما لاقى من معاناة نفسية منذ شبابه، فقال: ومن هؤلاء الذين عانوا في شبابهم؛ بل قبل ذلك محمد عبدالقادر فقيه، فقد أصيب بالصمم وهو لم بتجاوز الرابعة عشرة من عمره وقد سبب له هذا صعوبة في التواصل مع مجتمعه، فصار يشعر بالغربة وهو بينهم. وضاعف المعاناة أن باتت الشعرات البيض تلسعه كالنصال وهو لم يبلغ الثلاثين. يقول: وعاش الجواهري حياة مليئة بالكفاح والغربة فذوى شبابه مبكرًا. ففي قصيدة نظمها في سن مبكرة عام 1931 يذكر عيشته النكدة. إنه يشبه الحياة بحسناء فاركة؛ كلٌّ يقاتل الآخر من أجل الاستئثار بها: وفي قصيدة الدكتور غازي القصيبي (أمام الأربعين) يذكر طرفًا من أسباب شيبه، وهو العمل والجد والنجاح الذي يحسده الناس عليه، وما علموا أن النجاح يعني عذاب روح وسهاد عين: ومن الشعراء من حمَّلوا محبوباتهم مسؤولية شيبهم المبكر، وما هو إلا محض تظرف. ومن هؤلاء البحتري الذي لا تكتفي محبوبته بأنها تسببت في إلحاق الشيب به؛ بل تعيره بشيبه، فيقول لها: ويقول (كشاجم) إن صدود حبيبه وعتابه كانا سببًا في انصراف الشباب عنه مبكرًا: والمحبوبة هي التي جلبت الشيب للبهاء زهير، لكن ليس بسبب سوء معاملة؛ بل بسبب ثغرها الذي لامس شعره فألهبه. يقول: ** **