1. قيام الحضارة حسب رأي «ابن خلدون» يرتبط بقيام الدولة.. فهما توأم في الولادة.. وتقوم الدولة المؤسسة للحضارة على ثلاثة أركان هي: العصبية (الوطنية)، والإقليم، والقيادة.. وبعد خمسة قرون زاد الفيلسوف الإنجليزي «توينبي» شرطاً آخر من شروط قيام الحضارات وهو أن يواجه المجتمع تحدياً معقولاً.. لا هو من الشدة إلى درجة أن يسحقه ولا هو من الضعف فيتعايش معه الناس.. فالإبداع في مواجهة التحديات يعد بمثابة المحرك الأول للانطلاق الحضاري.. أي أن التحديات وطريقة الاستجابة لها هي المحفز لقيام الحضارات.. فكانت التحديات الأولى للإنسان جغرافية وبيئية.. ثم تلتها تحديات الإنسان للإنسان.. وهو ما أنتج التدافع والتنافس فتطورت الحضارات نتيجة لذلك. 2. ولو نظرنا إلى واقعنا اليوم في المملكة لوجدنا أن كل مستلزمات قيام الحضارة متوافرة وبجزالة منقطعة النظير.. فالجغرافيا منحتنا موقع واسطة العقد.. وأرضنا مكتنزة الثروات بشكل باذخ.. ونحن قبلة الإسلام والمسلمين.. أما القيادة فقد أثبتت تسعون عاماً من التنمية أننا تحت حكم رشيد.. كما أثبت التعاطي مع جائحة كورونا أن بلادنا من دول العالم المتقدم.. بقي الركن الرابع لقيام الحضارة كما يرى الفيلسوف «توينبي» وهو «التحدي».. وها نحن نواجهه اليوم.. فهل نحن كمجتمع جاهزون للتحرك على مستوى التحدي؟ 3. التحدي الذي تواجهه المملكة اليوم من القوة العظمى الأولى في العالم ليس بالأمر الهين ولا يجب الاستخفاف به أو التعامل معه باستهانة.. إنه تهديد حقيقي يجب أن يكون محفزاً لنا لا محبطاً.. وأن يظهر لنا مقدار مكانتنا وتأثيرنا الذي لم يعجب هذه القوة العظمى.. وأن نلتفت لأنفسنا وأن نتحد ونتكاتف تجاه الاعتداء المحتمل.. وأن نستوعب أن التحدي ليس بالضرورة أن يكون من خلال مواجهة حربية بل يمكن أن يكون من خلال مواجهة تنموية.. فإعاقة التنمية في بلادنا وهي اليوم تصعد بسرعة فائقة وقوة مدهشة وصدها والوقوف ضدها سيكون مؤذياً للبلاد والعباد.. كما يجب أن نعي أن التحدي هو الذي يوحد الجموع ويحفز النفس على الإقدام وتحمل المصاعب.. والمبادرة ضرورية في مواجهة ذلك التحدي بدلاً من الانتظار تحت وطأة «لعل وعسى» حتى نتجاوز الأزمة. 4. المشروع الحضاري يبدأ بفكرة.. وينهض بطموح.. ويسير بإرادة.. وينمو في حضن يرعاه ويوجهه.. من خلال الالتزام بخطة طريق تقود إلى الهدف وتحقق الغايات.. ولا تستهلك قواه وتستنفد جهوده.. و»رؤية المملكة 2030» أثبتت أنها منذ انطلاقتها تحقق نجاحاً تلو نجاح.. ولا نشك أنها إحدى أهم وسائل مواجهة التحدي الذي تواجهه المملكة اليوم.. وأن قيادتنا الرشيدة سوف تتجاوز بنا ذلك التحدي.