المعرفة الإنسانية تراكمية بالضرورة، بمعنى أن ما أسهم في تطورها، وأصبح لبنة ضمن لبنات تمرحلها، فسيظل مكوناً ضمن مكونات معرفة أي مجتمع من المجتمعات، إلا أن إحدى الإشكاليات التي تعتري جوانباً من حركة المعرفة الإنسانية، وتأثر فيها، وتتأثر بها أيضًا، هي إحدى أهم صناعاتها المعرفية أثراً.. وتأثراً.. وتأثيراً في المعرفية الإنسانية التي تتوارثها الأجيال من جيل إلى آخر، ألا وهي «المصطلح»! الذي لا يمكن أن ينشأ وينمو بمعزل عن الثقافة والسلوك الإنساني، لذا نجد المصطلح كائن «اجتماعي»، يعتريه ما يعتري المجتمع من صحة وعلل، وتقهقر أو تطور. لذلك كيف يمكن أن يموت مصطلح ما داخل الثقافة نفسها؟ وكيف يمكن لآخر أن يعبر القارات؟ وما الحالة الثقافية التي تجعل من هذا المصطلح مشاعاً شتاتاً؟ وما الذي تحقق لآخر حتى يفرض استقلاله بين مصطلحات الثقافات لا الثقافة الواحدة، ليكون مهيمنا فاعلاً، وما سواه قابع في ظل مصطلح آخر، وتابع له؟! ما يجعل من حالة كهذه تظهر أهم حالات اعتلال المصطلح التي تبدأ بحالة من الاستلاب لصالح آخر، في حالة تقتضي انزياحاً.. أو إزاحةً، أيًا كانت بعد ذلك درجتها واتجاهها. وإذا ما شبهنا المصطلح بالعملة، وما تحمله من هوية، ودلالة، وقيمة، وما تشكله من إرث مرحلي ضمن تراكمية العرف والمعرفة الإنسانية، لحالة من التمرحل ضمن ديناميكية المعرفة الإنسانية، على مستوى الثقافة نفسها، وعلى مستوى الثقافات الأخرى، ضمن مستوى آخر من ديناميكية التأثير والتأثر، التي تعد محكاً يختبر قوة المصطلح ومدى مقاومته بما شكله من مقومات اجتماعية، دينية، ثقافية واقتصادية. وأمام المشهد الذي يلوح أمام أعيننا صباح مساء عبر مختلف الوسائل، والوسائط، وتحديداً ما يتدفق على أنه فن.. وبأنه إبداع! فما الذي يمكن أن يتبادر بداهة إلى الذهن للدخول إلى القراءة هنا أو هناك سوى الدخول من عتبة المصطلح، الذي يضعنا في سياق فهم أجناسي «فن».. وأمام حالة من التلقي ل»إبداع»، في فعل كالعملة ذات الوجهين، التي لا يمكن أن تكون إلا بهما، إذ لا يمكن تصور فن دون حالة إبداع، ولا إبداع دون فن! ما يجعل من القفز فوق المصطلح أولى حالات السقوط (الحر) من المتن إلى هوامش لا متناهية أمام حالة المد من طوفان الكتابة أمام قطرات القراء! * «أزمة الإنسانية، تَقدُمها في وسائل قدرتها أسرع من تقدم حكمتها!» لم يبالغ توفيق.. لأنه الحكيم أيضاً! ** **