حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    جدّة الظاهري    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطابنا النقدي.. أزمة منهجية ومظهرية فارغة!
نشر في الرياض يوم 10 - 04 - 2020

يقول الناقد الكندي نورثروب فراي إن الفنون جميعها خرساء إلا النقد هو الوحيد القادر على الكلام.
لا شك أن النقد قيمة معرفية مهمة كما أن له جانبه المرآوي حيث يفحص النصوص ويستنطقها ويسبر مضمراتها. ومع ذلك فإن هناك من يتجاوز هذه المهمة ليمارس نوعاً من الاستعراضية في لغته وخطابه النقدي المتعالي فضلاً عن استجلاب هذا الخطاب لمقولات مترجمة ليس له منها سوى الجلب والاستعانة. طبعاً لا نقلل من ضرورة الاستفادة من جريان النهر الإبداعي النقدي واستثماره لكن المبالغة التي تصل حد الاستلاب تثير شيئاً من التساؤل والتأمُّل.
ك (مهتم / مهتمّة) بالنقد وقيمته وأثره ومستقبله.. كيف ترى هذه الاشكالية؟
وهل يمكن المراهنة على خطاب نقدي خاص بنا؟
وإلى أي حد يمكن رفد قراءاتنا واستبصاراتنا النقدية بما يضخّه الآخر لنا من مناهج ونظريات؟
هكذا تساءلت «الرياض» وهكذا تفاعل ضيوف الاستطلاع..
"علاقة متأزمة"
يستذكر الدكتور خالد الغامدي - أستاذ اللسانيات الثقافية بجامعة الطائف - الحوار الجدلي الشهير بين أبي تمام وأحد خصومه:
-" لمَ لا تقول ما يُفهَم؟! " -"وأنت ؛ لمَ لا تفهمُ ما يقال؟! "، ويؤكد: هذا الحوار كان إشارة إلى جوهر العلاقة المتأزمة بين المبدع والقارئ حين تختلف "المقاصد الأدبية" ؛ فالقارئ يريد نصاً على شروط الفهم التي اعتادها، والمبدع يريد نصاً على شروط القول الذي يبحث عنه، وحينئذ فالمشكلة ليست في المرسل ولا في المستقبل بقدر ما هي في هشاشة "المرجعية المقاصدية" التي تجمع بينهما في الرؤية والتوجه، فتَسْلُس على ضوئها عملية التواصل الأدبي تذوقاً وفهماً وإنتاجاً وتطويراً وتراكماً.
ويضيف: المرجعيات المقاصدية حين تتهشم فإن تجديدها يعد من قبيل القضايا الثقافية الكبرى التي لا يُنتظر أن يقوم بعبئها مبدع أو قارئ؛ بل يقوم بها قادة حضاريون يُوْلَدون في نقطة زمنية فاصلة من خط تطور المجتمع، ويمتازون بالتفكير الحضاري الشامل والتشبع العاطفي الكافي لتوليد مثله في آخرين يقاربونهم في الهم والتوجه. حينئذ تنشأ "المقاصد الجمعية المشتركة" وتتفرع فكرياً واجتماعياً وأدبياً وسياسياً، ولا يتحدث الناس عن مشكلة من قبيل: لم لا تقول ما يُفهم ولم لا تفهم ما يقال، إلا في نطاق ضيق لا يعبر عن ظاهرة أدبية عامة. ويستطرد الغامدي: المسؤولية الكبرى ليست على عاتق أديب ومفكر، ولا على ناقد أو قارئ، بل على قادة الفكر الكبار سواء كانوا سياسيين أم مفكرين أم أدباء أم اقتصاديين.
ويرى أن جوهر القضية هو هذه "المقاصد الثقافية الجديدة" التي توَلِّد نشاطاتِ الفكر والسلوك في المجتمع، من حيث ماهيّتُها ومصادرُها وكيفيةُ تكوينها وتوليدها جملة الأفكار ومظاهر السلوك، معتبراً رفد القراءات والاقتباسات من مناهج الآخرين ونظرياتهم طبيعية، فأفكار الآخرين تفيد الواعي بمقاصده العامل على تنميتها ونشرها وتقوية شبكة علاقاتها في مجتمعه، وتسير عملية الإفادة أو الاقتباس بصورة تلقائية لا عُقد فيها ولا أزمات، لأن جهاز المقاصد الثقافية الكلي يعمل على الانتخاب والتصفية والتركيب بصورة تلقائية ما دام هذا الجهاز صالحاً وفعالاً، مستشهداً بالنحلة التي تأكل من كل الثمرات الطيبة ويقوم جهازها الداخلي بتركيب العسل المختلف الألوان حسب اختلاف طبائع الثمرات، فيكون له نكهات كثيرة ولكنه متوحد في كونه عسلاً له خصائص كلية مشتركة، وزاد: أن النحل منذ البداية لا يأكل إلا على ضوء مبادئ وشروط قبلية محددة ومتفق عليها بين أعضاء الخلية، ويسير بشكل تلقائي، وإن حدث اختراق لهذا النظام من قبل إحدى عضوات الخلية فأساءت اختيار الثمرة فدون دخولها مملكة النحل حين تعود إليها حرسٌ شديد وحساب أشد.
"نهضة شاملة"
من جهته أشار الدكتور عادل خميس الزهراني -أستاذ النقد الحديث المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز- إلى أن نورثرب فراي كان أحد الذين خاضوا في الجدل المهم الذي حاول وضع النقد الأدبي في سياقه، كتب في أحد مقالاته إن النقد -إن كان بالإمكان اعتباره علماً- فإنه سيكون ضمن العلوم الاجتماعية وليس غير ذلك.
وأضاف الناقد الزهراني: "تطورُ النقد في العقود الأربعة الأخيرة، جعله يصبح مفتاحاً معرفياً مهماً، وجسراً يجمع بين مجالات إنسانية مختلفة. وقال: أعتقد أن النقد وفر للإنسانيات عموماً منهجياتِ تحليل وقراءة للنصوص والظواهر الأدبية، والاجتماعية، والثقافية، بطريقة أسهمت في إمكانية النظر فيما بين هذه المجالات من تقاطعات يمكن الانطلاق منها نحو برامج بينية تجمع اهتمامات متنوعة من تخصصات مختلفة. هذه الدراسات البينية هي الصيحة الأكثر بروزاً في البحث العلمي في العقد الأخير.
مؤكداً على أن النقد الأدبي "علم"، يدرس "فناً".. ومعتقداً أن الخلط بين المجالين في عالمنا العربي أنتج أعمالاً نقدية هجينة، تفتقر كثيراً لروح المنهجية العلمية وانضباطه.. وقال: من المؤسف أن نجد الأعمال النقدية مكتظة باللغة الأدبية والمجاز، ومحاولة التفاصح، والاستعراض البلاغي، على حساب التحليل المنهجي والتفكير النقدي، اللتين تمثلان جوهر النقد.
وفيما يخص مرجعية النظرية النقدية، يرى الزهراني أن النقد هو أحد المجالات التاريخية المهمة التي أثبتت أهمية انفتاح الثقافات على بعضها، وجدوى التلاقح الثقافي، منذ استفاد المسلمون الأوائل من أطروحات الإغريق وطوروها، ثم نقلوها للغرب بعد ذلك. ويقول: "هناك عوامل مختلفة توجه عمليات التأثر والتأثير التاريخية، من أهمها 'الحالة الحضارية‘ التي تعيشها الأمة في حينها، من هنا أعتقد أن تطور النظرية النقدية في العصر الحديث في الغرب هو إحدى ثمار الحظوة الحضارية التي عاشها ويعيشها في القرون الأخيرة. معتبراً هذه المناهج والنظريات الحديثة تمثل أفضل ما وصل له الإنسان في فهم الظاهرة الأدبية، وتجاهل هذه الحقيقة أمر غير مفيد أو ممكن، والتعامل مع هذا الأمر بمسؤولية هو الطريقة الصحيحة للاستفادة من المنجز النقدي وتطويره قدر الإمكان. ورأى أن الوصول لصياغة 'نظرية نقدية‘ مستقلة وخاصة بالأمة العربية، حلم متعذر، وذلك لأن هذا لا يمكن إلا عبر نهضة حضارية شاملة، تعتمد على العلم والعقلانية، وتؤمن بالإنسان وحقوقه وقيمه، وتنطلق منها. ويختم: حين يكون "الغرب" مصدراً للنظريات والتطبيقات العلمية لكل المجالات كالهندسة، والطب، والعلوم، والإدارة، والاقتصاد، وعلوم النفس والاجتماع، واللسانيات الحديثة.. فلا يمكن للنقد ألا يتأثر بالمنجز الغربي ويستفيد منه، ويقوم عليه.
"هوية عالمية"
ويرى أ. د. عبدالله بن أحمد الفَيفي-الأستاذ بجامعة الملك سعود- العضو السابق بمجلس الشورى- أن النقد الأدبي عِلم، أو يحاول أن يكون عِلمًا، ولم يَعُد له اليوم هُويَّة وطنيَّة أو لغويَّة محدَّدة؛ بل يفيد بعضه من بعض في العالم أجمع.
وقال: يجب أن يضيف الباحث ممَّا لدى الآخر إلى ما لديه؛ فليست هنالك أُمَّة مكتفية بذاتها، مستغنية عن الاقتراض والتعلُّم من غيرها. ثمَّ إن الأدب يتطوَّر ككلِّ شيء، كما أن العلم والخبرة يتطوَّران في كلِّ شيء، ولا تثريب على مَن يسعى لتطوير أدواته، بل التثريب على القابع القانع عجزًا بما لديه.
وأضاف: أمَّا التنكُّر للذات، و"تتبُّع" ما لدَى الآخَر في ذهول وانبهار واستلاب، فشأنٌ آخر، من ذوبان شخصيَّةٍ قابلةٍ أصلًا للذوبان. وأكمل الفيفي: إن النقد الأدبي دراسةٌ في مادة النصِّ، وجنسه، وسياقاته، وفق معايير علميَّة. وهي شؤون لا يمكن حصر آفاقها في خطابٍ نقديٍّ خاصٍّ ببلد. وأمَّا علاقة النقد بالفكر، فليس بمحلِّ شكٍّ، وهل يتجرَّد نشاطٌ إنسانيٌّ من فِكر؟!، بل هل تتجرد الصناعات ذاتها عن الفكر الذي أنتجها والثقافة التي ظهرت في كنفها؟!
وحول جدوى الإفادة من أُممٍ أخرى، يوضح: الإشكال هنا يكمن في تصوُّرَين: تصوُّر إمكانية الانعزال عن العالم والاكتفاء الذاتي بما لدينا، وتصوُّر آخَر يُضخِّم فكرة الاختلاف الثقافي، والانغلاق، والتقوقع على معطيات غائمةٍ نردِّدها، ك "الخصوصية"، دون أن تُحَدَّد: ما هي؟ وما حدودها؟ حتى صارت ذريعةً مجانيَّةً وحُجَّة فارغة.
ويستطرد: إن التعارف والتثاقف بين المجتمعات والشعوب كافَّة سُنَّةٌ حيويَّة، أزليَّةٌ أبديَّة، ولم تَحدث القطيعة قط بين الثقافات، في أيِّ طورٍ من أطوار التاريخ. والعرب والمسلمون كانوا- بصفةٍ خاصة- أكثر الأُمم انفتاحًا على العالم عبر التاريخ كلِّه. فقد كانت للعرب قبل الإسلام علاقاتهم باللغات والثقافات الأخرى، وشواهد ذلك ما زالت خالدة في معجمهم اللغوي. حدثَ ذلك عبر التبادل التجاري بالروم، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا؛ إضافة إلى العلاقات السياسية بفارس، والروم، والحبشة. ولمَّا جاء الإسلام انداحت علاقة الحضارة الإسلاميَّة في العالم أجمع، لم يتحرَّج المسلمون فيها من الإفادة من علوم المختلفين عنهم. مستشهداً بترجمة (ابن المقفَّع، -142ه)، عن فلسفة الهند واليونان، منذ العهد المبكِّر من تاريخ الإسلام، وفي شتَّى العلوم والمعارف والفنون والآداب.
"جهود مؤسسية"
ويوضح د. خالد بن عبدالعزيز الدخيل - الأستاذ المشارك في قسم الأدب والنقد بجامعة الإمام - أن من أهم الإشكالات التي تواجه ثقافتنا المعاصرة عدم القدرة على بناء منهجية خاصة بنا عند قراءة النص الأدبي، ولهذا أصبح النقد العربي أسيرًا لما يرد على ثقافتنا من مناهج ونظريات ولدت ونشأت في ثقافة مختلفة، ولهذا الأمر أسباب كثيرة ليس المجال كافياً لحصرها ومناقشتها، ولكن يهمنا هنا: كيف نبرع في إقامة خطاب نقدي ينشأ ويترعرع في الثقافة العربية؟
ويقول: الحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال شائكة؛ لأن السبب - من وجهة نظري - يكمن في تعامل الوسط الثقافي والنقدي العربي مع النقد الأدبي، فلم تشهد الثقافة العربية جهوداً في بناء مدارس نقدية معتبرة مثل ما شهدته من جهد في ترجمة النظريات والمناهج والمعاجم النقدية خارج الوطن العربي، ولست أقلل هنا من الجهود المتميزة في الترجمة بل أعدها ضرورة ملحة لكني أرى أن يوازي هذه الجهود جهوداً أخرى من المؤسسات العلمية والثقافية في الوطن العربي؛ لتكريس مبدأ فهم الثقافة العربية، ودراسة ما يمكن أن يطلق عليها بذور النظريات التي بدأ بها النقاد العرب قبل قرون.
مشدداً على إن الثقافة العربية - لكي تصل إلى المستوى الذي يؤهلها لبناء النظريات - لا بد أن تنتقل من العمل الفردي التي اتسمت به إلى العمل المؤسسي الذي يقوم على بناء الإستراتيجيات وينضوي لتحقيق أهدافه العديد من المفكرين، وأول خطوة يمكن أن نبدأ بها هي: تقييم الوضع الحالي للثقافة العربية لتكون الدرجة الأولى في سلم الإبداع والإبهار العلمي.
"قطيعة فكرية"
وتؤكد د. نوره سعيد القحطاني - أستاذ الأدب والنقد الحديث المساعد بجامعة الملك سعود - أن صراع التيارات الفكرية منذ عصر النهضة ترك آثارًا سيئة واختلافات خرجت عن إطار الحوار والمنهجية العلمية إلى ساحة الاتهامات والقطيعة الفكرية، وهذا ألقى بظلاله القاتمة على الخطاب الثقافي العربي الذي ظل يراوح مكانه، فلا هو أكمل ما بدأه القدماء في تراثهم العريق، ولا هو لحق بركب الحضارة الغربية. وأضافت: عاش خطابنا النقدي عقودًا من التخبط بين تيارات مختلفة، ولم تكد تظهر فكرة حتى تعارضها أخرى، وكنّا أمام مواقف متباينة من الآخر الغربي.. كان كل منها ينقض ما جاء به الثاني، فالأول كان يقف منبهرًا انبهارًا مطلقًا بالغرب وينادي بالتبعية لتلك الحضارة حدّ الاندماج والذوبان. وعلى الطرف المقابل يقف النقيض، رافضاً لكل ما وصلت إليه الحضارة الغربية، بدعوى الخوف على القيم الأخلاقية والثقافية. ونتيجة لذلك، ظهرت محاولات لتطبيق نظريات غربية مختزلة، وترجمات مشوّهة خلقت فوضى منهجية غير علمية نتج عنها ما يسمى بفوضى المصطلحات التي خلقت شخصيّات علمية هشّة لا تصمد أمام التجديد، وفقدنا بذلك أدوات اللحاق بالآخر الغربي أو محاولة التفوق عليه.
وصنفت فريقاً آخر واعياً معتدلاً حاول التوفيق بين الموروث الثقافي العربي وبين اقتباس العلوم الغربية والنظريات الفكرية، ولكن القحطاني اعتبرت هذه الفئة غير مؤثره كسابقتيها حيث لم يسمع صوتها في ظل الصراع بين تيارين متناقضين جمعوا حولهم أنصاراً عطلوا حركة النقد العربي، وساهموا في اتساع الفجوة بين النقاد والأدباء والقراء.
موضحة أنه لا يمكن المراهنة على خطاب نقدي جديد إلا بالانفتاح على الثقافات المختلفة بتشجيع الترجمة الواعية للنظريات الحديثة. ولتأسيس خطاب نقدي واعٍ تحمل الأقسام الأكاديمية في الجامعات مسؤولية تجديد آلية دراسة الأدب العربي، وحث الباحثين على إعادة النظر في قراءة تراثنا الثقافي ومساءلة النصوص بأدوات نقدية حديثة تستفيد من تطور النظريات، وتضيء جوانب جديدة في خطابنا الثقافي.
"إشكالية قديمة"
فيما اعتبرت د. أمل القثامية -أستاذ النقد المساعد بجامعة الطائف- إشكالية استقبال المناهج النقدية وتوظيفها إشكالية قديمة وعميقة ومستمرة وقالت: فصل الدكتور سعد البازعي في كتابة "استقبال الآخر الغرب في النقد العربي الحديث" الحديث عنها مؤكداً أن مشكلة المشكلات في التفكير النقدي العربي هي تجاهل وجود تلك المشكلة أصلاً. وأنا أظن فعلاً - والحديث للقثامية - أن عدم اهتمام النقاد بوجود مشكلات في استقبال المناهج وتوظيف المصطلحات النقدية الغربية على نطاق واسع بلا محددات ساهم في عدم توظيفها بشكل صحيح.
وأرجعت أهم أبعاد هذه الإشكالية أن نقادنا يهتمون بالمنهج أكثر من النص فأصبح النقد عبارة عن قوالب جامدة بلا رونق نقدي يصبون بداخلها النصوص. وتكمل: لا يجعلون النص يستدعي المنهج ويفرضه كما في النظريات والمناهج الغربية بل المنهج هو الذي يستدعي النص فيلجؤون تبعاً لذلك إلى لي أعناق النصوص. متأسفة لحال المنهج الذي صار حلبة للعناوين فقط، تجدهم يكتبون: "سيميائية النص في قصة فلان والتداولية في نص فلان". فيما البحث لا يمت للسيميائية أو التداولية بصلة، إنما مجرد قراءة تحليلية مع رصف مصطلحات بلا توظيف عميق أو جهد واضح.
وفيما يخص المراهنة على وجود مناهج وخطاب نقدي خاص بنا تقول: ربما سيكون لنا ذلك لو كان لدينا أرض فلسفية صلبة ومرجعيات فكرية مستقلة وربما سيتحقق فلدينا الآن أعمال وأطروحات فكرية نقدية مختلفة لنقاد متميزين.
وترى أن الآخذ من الآخر لا حدود له شريطة أن توفر له الأرض الخصبة لينمو، لا أن نأخذ المنهج أو المصطلح ونطبقه دون مرجع فكري أو مساحة للتأمل وخلق الإبداع الخاص والمختلف. وهو مرهون أيضاً بمدى مقدرتنا على تطويعه ليتناسب مع إبداعنا وثقافة مجتمعنا. وشددت على أن الآخذ من الآخر يستوجب الاتفاق عليه، لا سيما ما يخص ترجمة المصطلح، بمعنى أن كثيراً من الأساتذة المغاربة يترجمون المصطلح تحت مسمى ثم يأتون التوانسة أو الجزائريون بمسميات مخالفة لذات المصطلح، فيعيش القارئ العربي مشتتاً مما يترتب عليه إخفاق في التحليل والقراءة.
القثامي: منهجنا «حلبة عناوين» خاوية
"لغة غامضة"
وتعرف د. منى المالكي- أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك سعود - النقد، بالعلم الذي ينتسب إليه من يملك لغة سهلة بسيطة ولكنها عميقة تستفيد من كل الروافد العلمية التراثية والأجنبية، لتظهر بعد ذلك في مقالات أو أبحاث أو كتب، وتضيف: على الضفة الأخرى هناك من لغته غامضة لا تؤدي إلا إلى كثير من الصعوبة والوعورة على مستوى المصطلح أو المنهج ولكن هذا الاستعراض ليس وقفاً على النقد، هو آفة كل العلوم.
وقالت: ونحن نتحدث عن اللغة النقدية ننبه إلى ارتكازها على مناهج فلسفية والأخيرة من الصعوبة تقديمها للقارئ أو تلخيص مفهومها بلغة بسيطة ولكن هذا لا يعني مطلقاً ما نلحظه عند بعض النقاد والناقدات من استعراض لمصطلحات أجنبية والعمل على ترجمات من اللغات الأخرى!، والطريف أن تجد البحث الذي استهلك عشرات الصفحات بالإمكان اختصاره في مقالة علمية لا تتجاوز صفحتين!. وعلقت: كل ما هنالك قدرة لغوية هائلة تلبس المعلوم والمعروف بالضرورة في أساسيات النقد مصطلحات أجنبية فلسفية. معتبرة هذه الممارسات ذهبت بالنقد بعيداً عن دوره الأساس وهو تجويد النصوص الإبداعية بل وقراءة ما حولنا ثقافياً ومحاولة إصلاحه أو حتى قراءته لإثارة السؤال الذي هو هدف المعرفة الأول.
"ثقافة الفوضى"
وتحدث أ. د. ظافر بن غرمان العمري - رئيس الجمعيّة السعوديّة للأدب العربيّ - قائلاً: النقد له مفهوم معرفيّ يظهر بجلاء لمن يتأمّل وظيفته في قراءة النصوص، وتحليلها لتجلية مكامن الجمال، ومضامين الخطاب الإبداعيّ فيها. موضحاً أن لكلّ ثقافة لغتها، ومضامينها المعرفيّة، وأساليبها الفنيّة، وجاء النقد معنيّا بتلك الجوانب لغة، ومضموناً، وأسلوباً، ولكلّ من الثلاثة معاييره المستخرجة من أصول الثقافة، وفنونها الإبداعيّة، ولهذه المعايير أدوات تناسب خصوصيّة الثقافة.
مؤكداً أن النقد العربيّ حين وضع شروطه الجماليّة، والفنيّة للإبداع كان أمامه نصوص مميّزة تشتمل على أكثر معايير الحسن والإبداع، وأدقّها، وأكثرها مقاربة للإجماع الذوقيّ، والمعرفيّ الموضوعيّ.
وأضاف: لا ريب أنّ التواصل المعرفيّ بين الحضارات والثقافات يؤدّي إلى تقارض الآداب والفنون والمعارف، وتثاقف المبدعين، والمثقّفين من الأمم المختلفة والمتعدّدة المرجعيّات. عاداً الثقافة العربيّة من أقدم الثقافات، وأكثرها أصالة، وأرسخها بنية معرفيّة، لابتناء مكوّنها المعرفيّ على مصادر معرفيّة راسخة توافق منطق العقل، وتواكب الفطرة المستقيمة للملكات الإنسانيّة الصافية. وزاد: لم تخل الثقافة العربيّة منذ القدم من الاتّصال بغيرها؛ فقد نقلت ثقافة اليونان، وأقوال حكمائهم، ومن ذلك ما اجتلب من مقالات أفلاطون، وأرسطو، بيد أنّها لم تداخل النقد العربيّ في صورة التأثير إلا في عصر متأخّرة وذلك لأنها أصول نقديّة مبنيّة على لغة اليونان وثقافتهم. ولهذا يرى حازم القرطاجنّي أنّ أرسطو لو اطّلع على الشعر العربيّ لغيّر كثيراً من مقولاته النقديّة، وتوسّع فيها.
واستطرد العمري: في العصر الحديث ازداد كلف المثقّف العربيّ بمنتج العقل الغربيّ في نواحي منها النقد، إذ تلقّف اتّجاهات نقديّة، وآراء ليرفد بها رؤية النقد العربيّ للإبداع العربيّ، فأدّى ذلك إلى معالجة الأدب العربيّ بأدوات، مختلفة المعايير لكونها بُنيت على إبداع إنسانيّ ينتمي إلى عقل آخر، ولغة أخرى، وفكر إنسانيّ مختلف.
موضحاً: إنّ هذه الطائفة من النقاد دعت إلى توخّي طريقة المبدع الغربيّ ليجد الناقد لمقالاته مساحة مناسبة من النصوص ذات الكيفيّة المنسجمة مع معاييره التي استرفدها. ولا ريب أنّ من المبدعين من حقّق الاستجابة لمعايير النقد المركّب من النقد العربيّ، والمسترفد، واستجابة المبدع لشرط الناقد، يعود سلباً على حرّيّة الإبداع المؤصّل.
مشيراً إلى أن تلك المثاقفة أخذت تسلك الطرق التي فرضتها فلسفة العقل الغربيّ، حيث تلغي تلك الاتّجاهات الفلسفيّة الخصوصيّات المعرفيّة، والثقافيّة، وتنكر التاريخ، وتتجاوب مع رؤية أنّ العالم يسير نحو مركزيّة واحدة فكراً، وعقلاً، قبل مركزيّة السياسة والاقتصاد.
مختتماً حديثه: إنّ الواقع المعاصر يوجب على الناقد، والمثقّف، والمفكّر أن ينهجوا بالنقد منهجاً معتدلاً يحتفظ بالأصول الثقافيّة، والرؤية المعرفيّة الراسخة، ويستنير بالحكمة الإنسانيّة، والخبرات التراكميّة للثقافات التي تنطلق من عقل راشد، بعد أن أُنهك العقل المعرفيّ بثقافة الجنون، وثقافة التفكيك. وفي المجتمع الغربيّ مفكّرون انتقدوا تلك الاتّجاهات التي تهدم بنية العقل، وترسم ثقافة الفوضى.
الفيفي: الانبهار بالآخر ذوبان مخجل
الدخيل: النقد العربي أسير مناهج مختلفة
الزهراني: الأعمال العربية هجينة وفقيرة
الغامدي: «المقاصد الثقافية» هشة ومتذبذبة
القحطاني: صراع التيارات المتخبط عطلنا
المالكي: الاستعراض اللغوي آفة المعرفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.