نحضر للمناسبات مبكراً تقديراً لأهل البيت، فتتأخر الضيافة والقهوة! أي احترام هذا الذي يحترم من تأخر بالحضور لا الذين حضروا. نحن إذاً ضحية ثقافة خاطئة، حيث نعاقَب على انضباطنا بالوقت وانضباطنا بالحضور المبكر وتقدير أوقات الآخرين. الذوقيات العامة وبعض العادات بحاجة لإعادة تأهيل، حيث غزتنا ظواهر كثيرة مختلفة من اهتماماتنا وقلبت ترتيب قائمة أولوياتنا، لذا نحن بحاجة إلى إعادة ضبط منبه الذوقيات العامة التي أهملناها وهي من صميم ديننا، ليتنا نهتم بها بقدر اهتمامنا بالماركات، وقتها سنكون أكثر قيمة من مقتنياتنا وسلعنا التي لا تساوي شيئاً لو فكرنا في يوم ما ببيعها! أصبحنا نذهب إلى الحدائق والمتنزهات الوطنية بعد اعتراف متأخر منا بسبب ظروف الوباء التي أجبرتنا على زيارتها، ولكننا لم نحترم المكان ولا الزائرين له، حيث إننا حديثو عهد بالمكان، وأصبحنا نزاحم الفقراء في أماكنهم ونجبرهم على التفرج علينا دون أدنى احترام لمشاعرهم، فظاهرة افتراش الأرض بالكثير من المبالغة والأكسسورات وباقات الورد وكأننا ذهبنا للاستعراض والتقاط الصور لا للاستمتاع بالمكان، مصرين على ضغط الناس نفسياً وإظهار شغفنا بالتميز وكأنما يحرجنا التواضع وتقلصنا البساطة، لا يمكن أن يجلس البعض في مكان عام بسيط دون أن تفوح منه رائحة الثراء، تعز عليه نفسه أن يكون شخصاً عادياً ذهب للاستمتاع بالمكان، إذ لا يستطيع أن يقاوم داء لفت الأنظار حتى أمام البسطاء. تمادينا كثيراً رغم حدة الظروف وصعوبتها حتى تخطينا جميع الحدود والحواجز النفسية للآخرين باستفزاز مشاعرهم، هل حقاً أصبح جزء من متعتنا أن نكون محور اهتمام البسطاء من الناس وكأننا نعرض عليهم قائمة من الطعام الفاخر لنخبرهم أنهم لن يتذوقوا شيئاً منها! هل ما نعانيه تجاه ظاهرة الاستعراض نتيجة لرواسب وعُقد نفسية؟ أم أنها قسوة وتبلد وعدم إحساس بمشاعر الآخرين؟ أم أنها مجرد جهل بالمشاعر! أنا لا أعرف سوى أننا أصبحنا مأسورين بهوس الاستعراض حتى فقدنا متعتنا الحقيقية بالاستمتاع بالأشياء، واعتقدنا أننا سعداء ونحن في الحقيقة نعاني من سعادة مستعارة تكلفنا الكثير وتهبنا القليل من المتعة. أتمنى أن تنتهي هذه الظاهرة السلبية في مجتمعات يفترض أنها تربت على العز وليست بحاجة للإعلان المسبق عن ما تملكه، وأتمنى أن تصبح (الذوقيات العامة) مادة تدرَّس في المدارس يتعلم منها هذا الجيل الكثير من الأخلاقيات والذوقيات التي غفلنا عنها رغم أنها من أساس ديننا الحنيف، ومن أهم ركائز بعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، نحن بحاجة لجيل جديد مهذب ينافس طلاب العالم بأخلاقياته لا معلوماته فقط، جيل يبقى ممسكًا الباب احتراماً لمن خلفه، يسكب على قدر حاجته حتى وإن كان أمام بوفيه مفتوح، يحترم والديه ولا يستخف بمعلوماتهما بمجرد أنه تعلَّم، جيل يزيل مخلفاته رحمة بعمال النظافة؟ لائحة طويلة من الذوقيات والآداب تستحق التدريس والترسيخ وإعادة الهيكلة لتستعيد ذوقياتنا العامة عافيتها لأننا أولى بها من غيرنا.