** جمعتنا «الجزيرة» وربطتنا ثقافتها ووحّدتنا لغةٌ لم نضْنَ بتعلم أبجديتها ونحوها وصرفها، وعبر مدىً تجاوز ثلث قرن لم نختلف فهمًا ولم نعيَ إفهامًا، وكونَّا فريقًا ثنائيًا حميمًا؛ فالمشتركات المعرفية والسلوكية متقاربة، وإيقاع التعامل منضبط. ** عشنا مراحل تحريرية متباينة تعددت شخوصًا ومناهج وإجراءات؛ فقد ابتدأت بعهد أستاذنا محمد بن ناصر بن عبَّاس الذي استقطبنا بنفسه للعمل في الجريدة خلال حقبةٍ عسيرةٍ في مسيرة «الجزيرة» أعقبت استقالة أستاذنا خالد المالك الذي لم نعشْ مرحلته الأولى وانطلقنا في مرحلته الثانية 1999- التي لا نشك أنها الأجملُ في عمر «الصفحات فالملاحق ثم المجلة الثقافية» التي تولينا شؤونَها واحتملنا شجونَها، وعبرنا مع قيادة الأساتذة: محمد الوعيل وعبدالعزيز المنصور ومحمد أبا حسين بهدوءٍ أشرقت فيه مساحات العطاء فزادتنا إلفةً وواصلنا مسارا. ** في بدء عملنا (1985م) كان «خطُّ السلطة الرقابية» طويلًا؛ ففوقنا رقيبٌ فوقه رقيبٌ يعلوه رئيس التحرير حتى إذا اطمأن المسؤولُ دخلت الرقابةُ ضمن مهامنا موكلةً إلى رفيق الدرب (أبي باسل) بما وهبه الله من علمٍ ووعيٍ، واتفقنا على أن يتحمل صاحبُكم المسؤوليةَ الكاملة عن أي خللٍ أو ثغرةٍ أو مساءلات مطمئنًا منه ومطَمئنًا إياه، ولعل الحرية التي مُنحناها - منذ إصدار المجلة الثقافية (2003م) بل قبلها ببضعة أعوام – كانت زاهية فزهونا وعاليةً فعلونا. ** اختص الله الصديق الأستاذ عبدالرحمن بن إبراهيم المرداس بسماتٍ يؤتاها الفضلاءُ والنبلاء؛ فهو كريمٌ يجمع الكرماء، ووفيٌ لا ينسى الأصدقاء، ومبادرٌ ومعطاء، وحين علم باشتغال صاحبكم بتأليف كتاب عن والده رحمه الله عرض بنفسه أن يتولى إخراجَه - وهذه مهارة تضاف إلى مهاراته - وسهرنا نهارًا ولم ننم ليلًا كي يخرج الكتاب وفق ما يُمكن إنجازه من مواصفات، ولم يكتف بما قدّم، بل اختار المطابع وفاوضها وتابع العمل معها. ** تزامن هذا مع تلبية صاحبكم لرغبة أستاذه معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم في تحرير سيرته وتقديمها ومراجعتها فاحتمل المرداس - دون طلب - العبء الفنيَّ في التصميم والتنفيذ حتى صدر الكتاب تحت عنوان: (بتوقيعي: حكايات من بقايا السيرة)، وليس غريبًا من مثله مثاليتُه. ** مرَّ بظروف صحية فاحتملها ثم أقلقته فآثر الراحة وقدّم اعتذاره عن مواصلة العمل مستشارًا في إدارة التحرير للشؤون الثقافية، وما أقسى أن تفترق عن نصفك الصحفي الذي شاركتَه حلمَك ووجعَك، وفرحَك وترحَك، وتطلعك وإحباطَك، وإفضاءك وإمضاءك، والشكرَ الأقلّ والشكاوى الأكثر، وكان يعرف أن صاحبكم سيودع الساحة قريبًا ففاجأه أن استبق باب الخروج منها، وكذا تمضي بنا الحياة ويتوارى الأحياء. ** لصديقنا الأستاذ عبدالرحمن المرداس دعوات الصحة والسعادة والعمر المديد، ولذاكرة الصحافة الثقافية السعودية أن توثق مرور كفاءةٍ متميزةٍ في تأريخها ولو لم تجتذبه الأضواءُ كما لم تسعَ إليه فكان كبيرًا وظلَّ كبيرًا. ** الصديق قلبٌ لا لقب.