من توجيهات النحويّين لتركيب ((لا سيّما فلانًا)) أن تعرب كلمة (ما) حرفًا كافًّا عن الإضافة، ويعرب الاسم النكرة بعدها تمييزًا منصوبًا(1)، وقد وقفتُ على رأي مخالف لمحمدِ بنِ محمّدٍ المصريّ المالكيّ الشهير بالأمير الكبير (ت1232ه) يقول فيه: «قد يُمنع إفراد ((سيّ)) في هذه الحالة، بل هي شبيهة بالمضاف ضرورة أنّ التمييز الذي اتّصل، وتعلّق بها شيء من تمام المعنى؛ إذ هو أولى بذلك من النعت؛ لأنّه مبيّن للذات، والنعت مبيّن للصفة، والنعت داخل فيما هو من تمام المعنى، إلّا أنّه لا يوجب الشبه بالمضاف؛ لاشتراطهم فيما يوجبه أن يكون معمولًا، والتمييز معمول لما ميّزه»(2). ولكي نفهم رأي الأمير الكبير في هذه المسألة فإنّنا نحتاج إلى عرض موجز لتعريف المشبّه بالمضاف عند بعض النحويّين، قال ابن إياز البغداديّ (ت681ه): «هو كلّ قول فيه طول، وقال آخر: هو ما عمل بعضُه في بعض. ووجه شبهه أنّ الأوّلَ عامل في الثاني، كعمل المضاف في المضاف إليه، وهو من تمامه، كما أنّ المضاف إليه كذلك، وفيه طول كما فيه، فلمّا أشبهه لم يُبنَ»(3)، وقال المراديّ (ت749ه) في تعريفه: «مضارع للمضاف أي: مشابه له، ويسمّى المطوَّل، وهو ما كان عاملًا فيما بعده عمل الفعل أو مركبًا من معطوف ومعطوف عليه»(4)، وعرّفه المكوديّ (ت807ه) بقوله: «المراد بالمشبّه بالمضاف ما عمل فيما بعده»(5)، وعلّق ابن الحاجّ (ت 1316ه) على تعريف المكوديّ بقوله: ما عمل فيما بعده أي: عملًا مثل عمل الفعل لئلّا تشمل العبارة المضاف إذ هو عامل في المضاف إليه على الأصحّ، والمشبّه بالشيء غيره»(6)، وقال المقريّ (ت847ه): «معنى المشابهة أن يتعلّق بالاسم شيء يكون من تمام معناه نحو: لا طالعًا جبلًا ظاهرٌ، ولا خيرًا من زيد راكبٌ، ولا أفضلَ منك في الزمان، فالتعلُّق هنا على وجه العمل، وقد يكون التعلّق على جهة العطف نحو: لا ثلاثةً وثلاثين عندنا. ويسمَّى المشبّه بالمضاف أيضًا ممطولًا أي: ممدودًا»(7) ويعرّفه عبّاس حسن (ت 1979م) تعريفًا جامعًا لصوره بقوله: «هو الذي يجيء بعده شيءٌ يكمل معناه، بشرط أن يكون ذلك الشيء التالي إمّا مرفوعًا باسم (لا) نحو: لا مرتفعًا شأنُه خامل، وإمّا منصوبًا به نحو: لا متعهّدًا أموره مقصّر، ويلحق بهذا النوع الأسماء المعطوف عليها التي ليست علمًا نحو: لا سبعةً وأربعين غائبون، وتمييز العقود وغيرها نحو: لا عشرين رجلًا متكاسلون، وإمّا جارًّا ومجرورًا متعلّقين به نحو: لا متواكلًا في عمله محمود»(8) والواضح من هذه التعريفات السابقة لمصطلح الشبيه بالمضاف أنّه يُشترَط أن تتوافر فيه بعض الشروط مثل: أن يكون الشبيه بالمضاف عاملًا، وأن يكون معموله إمّا مرفوعًا أو منصوبًا أو جارًّا ومجرورًا متعلّقًا به، ويشترط أيضًا أن يكون معموله متمّمًا لمعناه، وقد يكون الشبيه بالمضاف مركبًا طويلًا، وقد يكون أيضًا مركبًا تركيبًا عطفيًّا أي: عطفَ نسقٍ بالواو، ويكون المعطوف عليه والمعطوف عددين. وبعد تقرير هذه الصور لتركيب المشبّه بالمضاف فإنّ رأي الأمير الكبير في تركيب (لا سيّما رجلًا) رأيٌ له حظٌّ من النظر من حيث دخول هذا التركيب في تعريف مصطلح المشبّه بالمضاف، وذلك بأنّ في التمييز إتمامًا للمعنى، وأنّ الاسم المبهم يعمل في التمييز، والتمييز معمولٌ للفظ (سيّ) في هذا التركيب. والذي أميل إليه أنّ ذلك لا يُوجِب عدّ هذا التركيب من قبيل المشبّه بالمضاف، وأنّ كلمة (سيّ) في تركيب (لا سيّما رجلًا) مفردة مبنيّة على الفتح، وليست مشبّهة بالمضاف؛ لأنّ لفظ (سيّ) مع (ما الكافّة) لم يُنصَب مع التنوين؛ لذا لم يُقل (لا سيًّا ما زيدًا) كما يظهر التنوين في الشبيه بالمضاف، نعم أجاز «البغداديّون لا طالعَ جبلًا بلا تنوين أجروه في ذلك مجرى المضاف كما أجري مجراه في الإعراب، وعليه يتخرّج الحديث: لا مانعَ لما أعطيت ولا معطيَ لما منعت»(9)، ولكنّ ذلك قليلٌ لا يُقاس عليه، وقد يلتبس بالمفرد المبنيّ على ما يُنصَب به، ومن استقراء مجموعة من أمثلة المشبّه بالمضاف نلحظ أنّ الشبيه بالمضاف يكون غالبًا صفة عاملة مثل: اسم الفاعل مع معموله، أو الصفة المشبّهة مع معمولها، أو اسم المفعول مع معموله أو أفعل التفضيل مع متعلّقه، أو قد يرد عددًا معطوفًا نحو: يا ثلاثةً وثلاثين. وفي قبول رأي الأمير الكبير في هذه المسألة إحداثٌ لقولٍ جديدٍ لم يرد عن النحويّين المتقدّمين -بحسب اطّلاعي- في توجيهاتهم الإعرابيّة لتركيب (لا سيّما كذا). ... ... ... ... الحواشي: (1) انظر الأنصاريّ، ابن هشام: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق: فخر الدين قباوة، دار اللباب، إسطنبول، تركيا، الطبعة الثانية، 1439ه/ 2018م، ص197، ص198. (2) المالكيّ، محمّد بن محمّد المصريّ: الشرح الكبير على أبيات العلّامة السجاعيّ في (ولا سيّما)، دراسة وتحقيق: حمدي عبد الفتّاح مصطفى خليل، دا ر الإمام الرازيّ، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1438ه/ 2017م، ص195. (3) البغداديّ، الحسين بن بدر بن إياز: المحصول في شرح الفصول شرح فصول ابن معطٍ في النحو، تحقيق: شريف النجّار، دار عمّار، عمّان، الأردن، الطبعة الأولى، 1431ه/ 2010م، ج2، ص667. (4) المرادي، الحسن بن قاسم: شرح الألفيّة لابن مالك، تحقيق: فخر الدين قباوة، مكتبة المعارف، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 2017م، ج1، ص235. (5) ابن الحاجّ، أحمد بن محمّد: الفتح الودوديّ على المكوديّ، المكتبة العصريّة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1434ه/ 2013م، ج1، ص284. (6) ابن الحاجّ، أحمد بن محمّد: الفتح الودودي على المكوديّ، ج1، ص284. (7) المالكيّ، شهاب الدين أحمد المقري: كتاب التحفة المكيّة في شرح الأرجوزة الألفيّة، تحقيق: جمال عمراوي الجزائريّ، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1436ه/ 2015م، ص178، ص179. (8) حسن، عبّاس: النحو الوافي، دار المعارف، القاهرة، مصر، الطبعة الثالثة، 1966م، ج1، ص627، (الحاشية الثالثة. (9) الأزهريّ، خالد: التصريح بمضمون التوضيح، تحقيق: عبد الفتّاح بحيري إبراهيم، الطبعة الأولى، 1418ه/ 1997م، ج2، ص123. ** **