يشير مصطلح المشبّه بالمفعول به في استعمال النحويين إلى المعمول المعرفة المنصوب بالصفة المشبّهة(1)، والسبب في إطلاق مصطلح المشبهة بالمفعول به هو أنّ منصوب الصفة المشبّهة في قولنا: زيدٌ حسنٌ الوجهَ فاعل في المعنى؛ لأنّ الأصل حسنٌ وجهُه؛ لذا فهو مشبّه بالمفعول به، وليس مفعولًا به حقيقة(2). وقد انفرد -بحسب اطّلاعي-أبو محمّد عبدُ اللهِ بنُ عليٍّ الصيمريّ (ت ق4ه) باستعمال مصطلح المشبّه بالمفعول قاصدًا به التمييز في بابي: (نعم وبئس، والصفة المشبّهة باسم الفاعل)، يقول الصميريّ في باب (نعم وبئس): «والنكرة المنصوبة بعد نِعْمَ مشبّهة بالمفعول؛ لأنّ في نِعْمَ ضميرٌ فاعلٌ، والفعل إذا اشتغل بفاعله وجب أن ينصب ما بعده»(3) في هذا النصّ إيماءة إلى أنّ سبب النصب هو مجيء التمييز بعد تمام الكلام، وقال الصيمريّ أيضًا في باب الصفات المشبّهة باسم الفاعل: الحسنُ وجهًا بالنصب على التشبيه بالمفعول به»(4). والذي درج عليه النحويّون وبخاصّةٍ المتأخّرون منهم أن يُعرَب الاسم النكرة المفسّر للضمير المستتر في باب (نعم وبئس) تمييزًا، وفي ذلك يقول ابن مالك (ت672ه): ويرفعان مضمرًا يفسّره... مميّز كنعم قومًا معشرُه(5). ويشرح ذلك ابن هشام (ت761ه) في باب (نعم وبئس) بقوله: فاعلا نعم وبئس يكونان «مضمرين مستترين مفسّرين بتمييز نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}»(6)، وقال أيضًا: في حالات معمول الصفة المشبّهة «والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة»(7). والجدير بالذكر أنّ المشبّه بالمفعول كان معروفًا عند بعض متقدّمي النحويّين، وقد نقل ابنُ السرّاج (ت316ه) أنّ النحويين قد سمّوا الحال والتمييز مشبّهًا بالمفعول، ويشترط أن يكون العامل فيهما فعلًا حقيقيًّا، وسبب تشبيههما بالمفعول؛ أنه جيء بهما بعد تمام الكلام، واستغناء الفاعل بفعله(8)، وفي هذا النصّ يتّضح أنّ وجه المشابهة بين الحال والتمييز والمشبّه بالمفعول هو مجيئهما بعد تمام الكلام، واستغناء الجملة الفعليّة عنهما، وهو مجرّد تشبيه يشترك فيه معهما جميع مكمّلات الجملة الفعليّة، وليس مصطلحًا نحويًا كالذي نشأ لقبًا لمعمول الصفة المشبّهة المنصوب المعرفة خروجًا من جعل التمييز معرفة، وخروجًا من جعل الصفة المشبهة المشتقّة من الفعل اللازم تنصب مفعولًا به، وهناك أمر آخر هو أنّ معمولي نعم وبئس والصفة المشبّهة المنصوبين المنكّرين مختلفان من حيث إنّ العامل في معمول الصفة المشبّهة ليس فعلًا حقيقيًّا، والعامل في تمييز (نعم وبئس) ليس فعلًا حقيقيًّا عند بعض النحويين الذين عدّوهما اسمين(9)، ومعلوم أن المشبّه بالمفعول به خاصّ بحال منصوب الصفة المشبّهة إذا كان معرفة، وليس نكرة كما هو في الحال والتمييز، والغريب أنّ الصيمريّ قد عقد بابًا للتمييز في التبصرة والتذكرة، فهو يدرك الفرق بين المصطلحين: التمييز، والمشبّه بالمفعول به. ومصطلح المشبّه بالمفعول به شائع في مصنّفات النحويّين في باب الصفة المشبّهة فقط، فمثلًا يورد خالد الأزهريّ (ت905ه) أنّ من الفروق بين الصفة المشبّهة، واسم الفاعل أنّ «منصوبها المعرفة مشبّه بالمفعول به، ومنصوب اسم الفاعل مفعول به»(10)، ويقرّر الأشمونيّ (ت929ه) إطلاق هذا المصطلح بقوله: «والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة»(11)، ويقول اليمنيّ (ت1006ه): معمول الصفة المشبّهة منصوب على التمييز إن كان نكرة، أو على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة(12). ويحسن أن نشير إلى أنّ من المتقدّمين، ومن المحدثين من يُفهَم من كلامه الاعتراض على مصطلح المشبّه بالمفعول به، يقول زكريّا الأنصاريّ (ت926ه): «مررت بزيد الحسن الوجه إذ في رفع الوجه قبح خلوّ الصفة من ضمير الموصوف، وفي نصبه تجوّز بإجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدّي، وفي جرّه تخلّص منهما»(13)، ويقول شوقي ضيف: «أن تكون الصفة المشبهة معرّفة بالألف واللام فتضاف إلى فاعلها مثل: محمّدٌ الحسنُ الفعلِ، وأجاز النحاة أن تنصب الفعل في هذا المثال على التشبيه بالمفعول به، وهو تشبيه خطأ؛ لأنّ فعل الصفة المشبّهة دائمًا فعل لازم، وليس معقولًا أن تصبح هي متعدّية دون فعلها»(14) نلحظ في قولي زكريا الأنصاريّ، وشوقي ضيف أنّهما يعترضان على أن يكون الفرع في العمل مغايرًا للأصل؛ لأن الفرع (الصفة المشبّهة) يعمل عمل المتعدّي، وذلك بنصب معمولها المعرفة بينما الأصل الذي اُشتُقّت منه الصفة المشبّهة فعل لازم لا ينصب مفعولًا به، وقد وصف زكريا الأنصاريّ النصب على التشبيه بالمفعول به على أنّه تجوُّز، ووصفه شوقي ضيف بالخطأ، والغريب أن يُعرب محمّد محّمد شرّاب منصوب الصفة المشبّهة مفعولًا به إن كان معرفة، دون اعتبار لحال اشتقاقها من الفعل اللازم(15). والذي ننتهي إليه ممّا سبق أنّ إطلاق مصطلح مشبّه بالمفعول به على معمول الصفة المشبهة المعرفة هو الشائع عند النحويّين، وإطلاق مصطلح المشبّه بالمفعول به على التمييز عند الصيمريّ فيه تجوُّز ظاهر؛ لأنّ المعمول النكرة المنصوب في بابي الصفة المشبهة، ونعم وبئس يعرب تمييزًا، ولا مدخل للمشبّه بالمفعول به في باب نعم وبئس، وتظهر وجاهة رأي من اعترض على مصطلح المشبه بالمفعول به، لكنهم لم يقدّموا مصطلحًا بديلًا، وهنا نتساءل: هل يعني هذا أنّهم يعربون منصوب الصفة المشبّهة -سواءٌ أكان نكرة أم معرفة - تمييزًا؟ ... ... ... الحواشي: (1) صغتُ هذا الحدّ من استقراء ما كتبه غالب النحويين في معمول الصفة المشبّهة إذا كان معرفة، وطريقة ذكر الحكم النحويّ في الحدّ مشهورة في بعض حدود النحويّين، والمناطقة يرفضون ذلك؛ لأنّ الحكم على الشيء فرع عن تصوّره. (2) انظر المالكيّ، شهاب الدين أحمد المقري: كتاب التحفة المكيّة في شرح الأرجوزة الألفية، تحقيق: جمال عمراوي الجزائريّ، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1436ه/ 2015م، ص383. (3) الصيمريّ، عبدالله بن عليّ: التبصرة والتذكرة، تحقيق: فتحي أحمد مصطفى عليّ الدين، مركز البحث العلميّ وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، مكّة المكرّمة، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1402ه/ 1982م، ج1، ص275. (4) الصيمريّ، عبد الله بن عليّ: التبصرة والتذكرة، ص231. (5) الأندلسيّ، محمّد بن مالك، ألفيّة ابن مالك في النحو والتصريف المسمّاة الخلاصة في النحو، تحقيق: سليمان العيوني، دار المنهاج، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1428ه، البيت رقم: 487، ص129. (6) الأنصاريّ، عبد الله جمال الدين بن هشام، أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك، اعتنى به وعلّق عليه: محمّد نوري بن محمّد بارتجي، دار المغني، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الثانية، 1436ه/ 2015م، ص351. (7) الأنصاريّ، عبد الله جمال الدين بن هشام، أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك، ص245. (8) انظر ابن السرّاج، محمّد بن سهل: الأصول في النحو، تحقيق: عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة، 1436ه/ 2015م، ج1، ص213. (9) انظر الأنباريّ، عبد الرحمن بن محمّد: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويّين: البصريّين والكوفيّين، ومعه الانتصاف من الإنصاف، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصريّة، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت، ج1، ص81-ص103، المسألة رقم: 14. (10) الأزهريّ، خالد: شرح التصريح على التوضيح وبهامشه حاشية ياسين العليمي، تحقيق: أحمد السيّد سيّد أحمد، المكتبة التوقيفية، القاهرة، مصر، ج3، ص281. (11) الأشمونيّ، عليّ بن محمّد: شرح الأشموني على ألفيّة ابن مالك، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الطلائع، القاهرة، مصر، 2014م، ج4، ص116. (12) انظر اليمني، محمّد بن عبد الملك: منحة الملك الوهّاب بشرح ملحة الإعراب للحريريّ، تحقيق: عبد اللطيف محمّد داود، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1439ه/ 2018م، ج2، ص14، ص15. (13) الأنصاريّ، زكريا بن محمّد: الدرر السنيّة حاشية على شرح الخلاصة، تحقيق: وليد بن أحمد الحسين، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1432ه/ 2011م، ج2، ص673. (14) ضيف، شوقي: تجديد النحو، دار المعارف، القاهرة، مصر، الطبعة السادسة، 2013م، ص227. (15) انظر شرّاب، محمّد محمّد حسن: معجم الشوارد النحويّة والفوائد اللغويّة، دار المأمون للتراث، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، 1411ه/ 1990م، ص567. ** **