كشفت جائحة كورونا عن ضرورة توطين صناعة اللقاحات، والأدوية، والأجهزة الطبية، كما كشفت عن أهمية توفر الكفاءة والكفاية اللوجستية القادرة على التعامل مع الأزمات الصحية بشمولية ضامنة لمواجهة المخاطر والحد من إنتشار الأوبئة وتوفير الخدمات الصحية لمحتاجيها. ومن توفيق الله، أن ركزت رؤية 2030 على التوطين، وتعزيز المحتوى المحلي، في جميع القطاعات، وبخاصة القطاعات المحققة للأمن الإستراتيجي. القطاع الصحي من أهم القطاعات المستهدفة بالتوطين، وإنتاج الأدوية واللقاحات في مقدم الأهداف المعلنة، لذا نجد بعض الاتفاقيات الموقعة لتعزيز قدرات القطاع الصحي، وإنتاج الأدوية محلياً، ومنها الاتفاقية التي وقعتها وزارة الاستثمار العام 2019؛ (هيئة الاستثمار آنذاك)؛ مع شركة «GL Rapha» الكورية، بقيمة 1.2 مليار ريال، والتي تهدف إلى توطين الصناعة البيولوجية في القطاع الصحي؛ وتصنيع 30 منتجاً في مجال التقنية البيولوجية بالمملكة، إضافة إلى تصنيع 5 منتجات ابتكارية أخرى خلال السنوات الخمس المقبلة. عززت جائحة كورونا أهمية رؤية المملكة الإستراتيجية، وأبرزت ضرورة التعجيل في تنفيذها تفادياً لمخاطر انتشار الأوبئة ونقص الأدوية واللقاحات التي تفرضها الظروف الاستثنائية، ولنا في لقاح كورونا وعجز الشركات المنتجة عن الوفاء بالتزاماتها أكبر العبر. لا يمكن للشركات الأجنبية أن تؤثر الأسواق العالمية على سوقها المحلية، وهي وإن سعت لتحقيق ذلك، طمعاً في الأرباح الضخمة فستواجه بقوانين محلية صارمة تمنعها من تصدير اللقاحات والأدوية طالما كانت الدولة الحاضنة في حاجة لها، كما حدث في الاتحاد الأوربي. نقص اللقاحات، والمواد والمستلزمات الطبية، نتيجة حُمى الشراء المصاحبة لفيروس كورونا، والتوزيع غير العادل، زاد من أهمية الأمن الإستراتيجي المرتبط بالصناعات الطبية عموما، والأدوية واللقاحات في مقدمها. وبالتالي تبرز الحاجة لتعزيز الصناعات الطبية بأنواعها؛ والتوسع في مراكز البحث والمختبرات لإنتاج الأدوية واللقاحات وخلق قاعدة طبية متقدمة يمكن أن تسهم في تحقيق الأمن الصحي، ما يستوجب التوسع في توطينها محلياً من خلال الشراكات العالمية، وخلق محفزات استثمارية قادرة على نقل التقنيات، والإنتاج من داخل المملكة، لضمان استدامة توفرها، وتصديرها تجارياً. لدى المملكة الملاءة المالية، والذراع الاستثمارية المتمثلة في صندوق الاستثمارات العامة، والرؤية الإستراتيجية ومقومات النجاح، بما فيها المدن الصناعية المتخصصة. كما أن كثافة الطلب المحلي والإقليمي يمكن أن يعزز جذب الاستثمارات النوعية للمملكة، وبما يجعلها مركزاً للصناعات الطبية في المنطقة. أعتقد أن وزارة الاستثمار معنية بجذب الاستثمارات وتوجيهها وفق رؤية إستراتيجية، في الوقت الذي تعتبر فيه وزارة الصحة المرجع في تحديد نوعية المنتجات الطبية المستهدفة، وأولوية التوطين، أما وزارة الصناعة فهي مسؤولة عن تعزيز الصناعات بأنواعها وتحفيز المصنعين المحليين لفتح خطوط إنتاج محققة للأمن الإستراتيجي. صندوق الاستثمارات العامة هو الجسر الذي يمكن أن تمر من خلاله الشراكات العالمية، كما أنه الأداة الكفؤة القادرة على الاستثمار في الشركات المتخصصة عالميا والداعمة لنقل التقنية وتوطينها وخلق قطاع صناعي متكامل للأدوية واللقاحات بأنواعها. الشراكة التكاملية بين الصحة، الصناعة، الاستثمار، وصندوق الاستثمارات العامة يمكن أن يوطن صناعة الأدوية واللقاحات والأجهزة الطبية، بشكل أسرع وأعمق، وفق إستراتيجية وطنية متكاملة منبثقة عن رؤية المملكة 2030.