من ممكنات النجاح، العمل وفق إستراتيجيات محكمة وأهداف واضحة وفترة زمنية محددة، مع توفر مؤشرات القياس الشفافة والمحايدة. فالعمل الإستراتيجي هو مفتاح التنمية الناجعة، وقاعدة التحول التنموي المنشود، ومن أساسيات القيادة الكفؤة التي تعمل وفق أهداف محددة، تلتزم بتحقيقها من خلال الخطط والبرامج العلمية التي يلتزم بتنفيذها الجميع. إستراتيجيات المدن، من أهم الإستراتيجيات الضابطة للتنمية، والموجهة لها وفق رؤية شمولية، تستشرف المستقبل وتعمل على تحقيق متطلباته من خلال معايير محددة وصارمة لا يُسمح بالحياد عنها. إستراتيجية تطوير مدينة الرياض التي كشف عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إحدى تلك الإستراتيجيات التنموية المهمة، خاصة أنها تتعامل مع مدينة بحجم دولة وتحتضن ما يقرب من 7.5 مليون نسمة وتمتلك من المقومات الاقتصادية الكثير ما يجعلها في مقدمة عواصم العالم بالأهمية السياسية والاقتصادية والتنموية. إطلاق ما يقرب من 100 مبادرة ومشروع ضمن إستراتيجية الرياض يعني خلق تحول كامل في وجه المدينة ومكوناتها وخدماتها، خاصة أن الإستراتيجية تركز على محاور مهمة ومنها تعزيز البصمة الاقتصادية للرياض من خلال تطوير قطاعات الصناعة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والتقنية والتحول الرقمي؛ وتحسين جودة الحياة من خلال المشروعات البيئية الكبرى والمتنزهات العامة؛ وتطوير التعليم واحتضان المواهب؛ وتعزيز القدرة الاستيعابية لمضاعفة عدد السكان إلى 15 مليون نسمة. أهداف طموحة ولا شك، وفرص اقتصادية كبرى ستولدها الإستراتيجية التي ستحول الرياض إلى العاصمة الاقتصادية والمالية والبيئية الأهم في المنطقة. برغم أهمية الإستراتيجية، وجدواها الاقتصادية والتنموية، وحاجة مدينة الرياض لها، إلا أن من المهم أيضاً الإشارة إلى بعض التحديات التي قد تظهر مستقبلاً، وأحسب أن الإستراتيجية أحاطت بها كجزء رئيس من العمل المنهجي. التمويل المالي من التحديات التي تتطلب الكثير من الإنفاق الحكومي، والإنفاق من مصادر استثمارية شبه حكومية أو مستقلة، في وقت تتعرض له الاقتصادات العالمية إلى متغيرات حادة، قد تكون مؤشراً لبدايات غير مطمئنة لمستقبل الاقتصاد العالمي. لذا من المهم جدولة المشروعات وبما يضمن المواءمة بين الإنجاز والتدفقات المالية المتاحة والقدرات التنفيذية المتاحة. كما أن مضاعفة سكان الرياض يحتاج إلى بنى تحتية تفوق المتاح منها حالياً بمستوى الضعف، ما يتطلب العمل على تنفيذه أولاً لاستيعاب المتغيرات السكانية. الازدحام أحد مشكلات الرياض الحالية، لذا فإن مشروع مترو الرياض الحالي يحتاج إلى توسعة وأن يصل إلى جميع المواقع المهمة، ومنها بوابة الدرعية والقدية وغيرهما من الوجهات المهمة. أنشئ المترو الحالي وفق رؤية سابقة، دون النظر إلى التوسع التنموي المستهدف اليوم، وهذا يتطلب توسعة الشبكة، وأن يكون المترو والقطارات من أهم مكونات الإستراتيجية وفق رؤية 2030 والمخطط المستقبلي لمدينة الرياض. يمكن تحقيق هدف مضاعفة السكان من خلال إنشاء ضواحٍ مستقلة ومكتملة الخدمات حول مدينة الرياض، وأن تربط بشبكة قطارات تسهل الوصول إلى جميع الوجهات في مدينة الرياض. يمكن من خلال الضواحي تحقيق هدف مضاعفة السكان، وتحقيق انسيابية الحركة، وفك الاختناقات الحالية. الأمر عينه يمكن تطبيقه على الأحياء الحالية، بحيث تُستكمل جميع الخدمات فيها، وبخاصة التعليمية، بما يضمن بقاء حركة المركبات اليومية داخل الحي بدلاً من تنقلها خارجه مشكلة اختناقات مرورية لا يمكن التعامل معها. حركة الطلاب والطالبات الأكثر خلقاً للازدحامات المرورية، وكلما كانت داخل الحي كان ذلك أجدى لمنع تشكل الاختناقات. استراتيجية الرياض هي باكورة استراتيجيات تنمية المدن التي يقودها سمو ولي العهد والتي انبثقت عن رؤية 2030 وستتبعها استراتيجيات أخرى ستسهم في تطوير مدن ومناطق المملكة على أسس علمية حديثة وبما يرفع من مستوى المعيشة وجودة الحياة ويعزز الاقتصاد ويضبط التنمية المستقبلية ببرامج ورؤى محددة لضمان جودة المخرجات بإذن الله.