ما الذي يدفع الصحف إلى التميز.. هل هم رؤساء التحرير.. أم هم الكتبة.. أم هم المحررون.. أم هي الإدارة.. أم هي رؤوس الأموال والتقنيات.. ** كان خالد المالك في ظني كل هذا.. فلقد تجاوز في الجزيرة كل مراحل الركود ليعيد لها وجهها المشرق والقوي والمنافس.. ** جئت إلى الجزيرة كاتبة في صفحات القراء في أواخر 1405ه وكان حينها قد غادر خالد المالك هرمه العظيم «الجزيرة». أحببت الجزيرة.. وراسلت صحفاً كثيرة.. لكن المقال الذي يُنشر في «الجزيرة» يظل عظيماً.. لا يدري كثير من الفتيان لماذا يولدون وهم نصراويون أو هلاليون.. ومثلهم أنا لا أدري لماذا أحببت الجزيرة وظللت فيها طوال هذه الأعوام منذ بدأت الجزيرة تعاملني ككاتبة محترفة لها مساحة محددة في يوم محدد كان ذلك في أواخر عام 1407ه.. حيث أُبلغت بدخولي زاوية «هوامش صحفية» وحُدد لي يوم الجمعة بالتناوب مع الأستاذ ابراهيم التركي.. كان يوماً مشهوداً ظللت مستيقظة فيه حتى اطلعت على العدد ثم آويت إلى فراشي محتضنة الصحيفة.. ** دهشة الأحلام ونكهتها الأولى التي تظل مذاقاً شهياً لا تنافسه أرقى الحلويات الفرنسية.. نكهة تعتمر خلايا دماغك وتخلق بينك وبين الأشياء سراً عظيماً هو الحب الذي لا يتبدل ولا تضعف أواصره.. ** عاد خالد المالك كفارس يؤوب إلى الصحراء التي ذبلت أزهارها وشاخت أشجارها.. أتخيله ممتشقاً سيفه.. يعود من غربته التي قضاها في أماكن لها بعض رائحة الصحراء التي يحب.. رأس شركة توزيع الصحف.. وغرق في همه الإداري.. لكنه أبداً لم ينس لوعة الصحافة وولهها الجميل حين يستكين في قلب المبدع.. سمعت خبر عودته وأنا أرقد على سرير أبيض.. تلفُّه رائحة التوجس من مشرط الجراح.. كنت أخفي هويتي ككاتبة عن من حولي.. كنت أجلس مع زميلات الأسرّة البيضاء.. نتبادل حكايات التعب والولادة والأطفال الخدج والحمى الروماتزمية التي تعبث فجأة بصمامات القلب.. قالت إحدى القادمات لوالدتها.. وهي تتهلل بشراً.. عاد عمي إلى الجزيرة.. انتفض قلبي المتعب.. عمها.. والجزيرة.. «!!». قلت.. الجزيرة.. الجريدة.. قالت نعم.. عمي خالد المالك عاد ليرأس تحريرها مجدداً.. كان في ذات اللحظة يهاتفني أبو راكان ليبلغني الخبر.. ** وحينها.. أيقظت كلمة «عاد» هذه ألف رغبة في الكتابة والحبر ولقاء الكلمات.. وجدتني في ذلك المساء أداعب القلم بعد غياب واغتراب ووجدت الورق يتحوطني مجدداً.. لأستنشق مجدداً رائحة الصحف.. ** عودة الفرسان.. تبث في القلوب العزيمة.. وخالد المالك كان وما زال فارساً ممشوقاً وممتشقاً لأحلامه الشابة حتى وهو ينحو تجاه الستين.. لكنه يعلن للملأ نجاح الإرادة والموهبة والصدق في العطاء.. تكريمه في إثنينية الخوجة.. جاء ليمنحني مبرراً لأشكره على وثبات الجزيرة الأولى والثانية.. وكل الوثبات القادمة المنتظرة.. ولكل هذا الفريق الذي أعاد إليه الروح ومنحه التجديد وضم له أسماء مميزة.. ساندت العمل ومنحته رؤاه الجديدة.. ** خالد المالك تعلو خطوته وهمَّته.. تماماً مثلما تعلو نبرة صوته وهو يسعى لإقناعك بصحة قراره في حجب مقالة ما كتبتها أنت بحماسة واجتهاد.. أو وهو يحثك على الالتزام بمواعيد زاويتك.. وقد تستغرب صوته العالي بادئ الأمر.. لكنك تعتاده حين تذكر تفاصيل حياته.. فهو الفارس القادم.. الهارب من لجة الحلم إلى حيث تفاصيل الواقع الجميل.. يعلِّمك خالد المالك في كل مرة كيف تؤدي التزاماتك بصدق تجاه هذا الوطن أولاً ثم كل شيء يأتي بعد ذلك.. ** فيا أيها الفارس.. جيل نحن نتعلم منك.. وندرك معك أن الخبرة والموهبة تمنح المساحات نجاحاً لا تمنحها إيّاه الشهادات والسفسطائيات.. ويظل أمامنا الكثير من الأحلام التي نتمنى تحقيقها معك للجريدة التي أحببنا.. ول«الجزيرة» التي أنت أحد أهم علاماتها.. وفارسها القديم .. الجديد!! 11496الرياض 26659