يكون التاريخ نصاً مكتوباً يقرأه القاصي والداني.. لأنه رحال، ويكون آثاراً ثابتة شاهدة على أن هذه الأرض وعت فعلاً حضارياً.. والأمة الواعية هي من تصنع التاريخ أما التاريخ فلا يصنع أمة.. قال مؤلف كتاب المناسك: والقصيم موضع ذو غضى فيه مياه كثيرة وقرى.. وقال أيضاً: وبهذه القصائم أودية فيها شجر الفاكهة من التين والخوخ والرمان وفاكهتها أطيب فاكهة وأعذبها وأرقها. أخذ لفظ القصيم من كسر الشيء ودقه وجعله سهلاً.. وأيضاً تطلق على ما سهل من الأرض وكثر شجره.. والقصمة منبت الغضى والأرطى والسلم، وقد استخدمت القصيم للرمال التي تنبت شجر الغضى خاصة. تقع القصيم في الجزء الأوسط الشمالي من المملكة ويخترقها وادي الرمة الذي يعد من أهم الوديان في الجزيرة العربية كلها.. وتبلغ مساحة القصيم «000،80» كيلو متر مربع وبذلك تشمل المنطقة حيزاً كبيراً من مساحة هذه البلاد. تميزت أرض القصيم بدور مهم وكبير في انتعاش اقتصاد قراها ومدنها، فقد مرت بها القوافل التجارية وقوافل الحجيج قديماً ومازالت، ملتقى الطرق. لأهل القصيم لهجة تختلف عن بقية لهجات المملكة.. بل إن لسكان المنطقة عدة لهجات تختلف من مدينة لأخرى ومن بلدة لبلدة.. ربما دل ذلك لكثرة مرور القوافل التجارية وقوافل الحج قديماً بأرضهم أكسبهم بذلك كلمات متنوعة ومتفاوتة من حيث السهولة والصعوبة بقيت وأصبحت فيما بعد من لهجماتهم.. كما أن طبيعة أرض أهل القصيم السهلة- خصوصاً الناحية الشرقية منها- أثر تأثيراً كبيراً في سهولة اللفظ. وبقراءة التاريخ والآثار.. تبين ان القصيم قامت عليها حقباً تاريخية.. كان أقدمها عصر ما قبل التاريخ«أو ما يسمى بالعصر الحجري القديم» فلقد اكتشفت أجزاء من غابات متحجرة ممتدة من بريدة إلى عنيزة ممثلة بجذوع لأشجار تعود إلى تلك الفترة القديمة التي تصل إلى مائتين وسبعين مليون سنة تقريباً وذلك حسب رأي الخبير الجيلوجي الدكتور عبدالعزيز بن لعبون وعصر البرونزي وعصر ما قبل الإسلام وبعده.. وما أشعار عنترة العبسي - في ذكر عبلة - والنقوش والرسومات الصخرية المتنوعة والكتابات القديمة التي وجدت إلا دليل على قدم الحضارة التي قامت بأرض القصيم. من زار القصيم قبل عشرة أعوام ويزروها اليوم لأيقن ان الوضع قد تغير كثيراً.. فتحولت الطرق والشوارع الترابية إلى شوارع مسفلتة ومرصوفة، بل ومزينة بأبهى أنواع الورود والنخيل والأشجار ولعل زيارة الأمير نايف إلى المنطقة قبل مدة لافتتاح مبنى الأمارة الجديد لاينم إلا عن حرص قادة البلاد على هذه المنطقة. إن الذي حصل بالقصيم بهذه الفترة الوجيزة إنما يدل على إخلاص أهلها وأميرها وحرصهم الدائم على النهوض بمنطقتهم بمنظر المباهين لها بقريناتها.. فالقصيم ليس لها سواحل ولا تطل على بحر أو نهر يجعلها هدف البعض. وليست ذات غابات منتشرة هنا وهناك تجذب إليها عشاق النبات.. إنما تميز تلك الأرض كان برمالها الخلابة التي بهرت كل من مر بها أو زار تلك الأرض.. تميزت القصيم بأهلها ومزارعها، بطعوسها، وبيوت الطين.. سحرت عشاقها سواء من أهلها أو من مرو عليها بسحر جمالها. اللقاء بين القصيم والرمال.. لقاء قديم شبه أسطوري.. فعندما يأتي إليها البدر منتصف كل شهر.. تبدأ الحكايات والذكريات مع الرمال.. فالرمال لها تعني كل شيء.. تمتد أمامها وتفتح ذراعيها وأحضانها لمدنها، تغوص في أعماقه وتداعب نسماته التي تأتي كل يوم لتضع على جبينها قبلة اعتراف.. بالحب والشوق. زرت القصيم وكان أوفر الحظ لي بالبدائع حيث أتممت نهاراً كاملاً بها.. لم أكن أتوقع المحافظة بهذه الصورة، تخيلتها ذات بيوت آيلة للسقوط، وشوارع ملأتها الحفر.. وبينما أنا ادخل المدينة وإذا بخيالاتي السلبية تتلاشى والحقيقة تتضح مع بزوغ فجر ذلك اليوم، أشرقت الشمس واتضحت لي صورة مزج من حب الجديد بأصالة القديم. فلكِ الله يا أرض القصيم.. فأنتِ بحق لؤلؤة الصحراء والوادي العظيم.