«كتاب المعانقات» لإدواردو غالينو جاء محملاً على روح النص الحكائي المتأمل للحياة بشكل عام... فلم يكن الكاتب غالينو مدركاً حقيقة القصص التي يدونها في هذا الكتاب.. بل إنه عمد إلى تقديمها برؤية خاصة يخلص فيها إلى استنباط حالة التنوير أو ذروة العمل ولب القصة.. «كتاب المعانقات» والذي صدر عن دار الطليعة الجديدة في سوريا وقام بترجمته أسامة أسبر يفرط في إيراد الحكاية الهامشية؛ ليحاول في هذا السياق اصطياد المفردة المعبرة تلك التي تخرج العمل الحكائي من غابة المقولات الشائكة.. فيأخذ المؤلف على عاتقه مهمة الاقتضاب وتفسير حالة الواقع الشارحة للاحداث بأقل الكلمات الوصفية الممكنة.. من هنا يبرع الكاتب في اقتفاء حساسية الخطاب الانساني الذي يصور مآل الأعلام إلى مجرد أوهام صغيرة لا يمكن لنا كقراء أن نقبلها الا من قبيل التعرف على حجم هذه التعاسة العريضة التي يعيشها شخوص هذه القصص. «المعانقات».. وصف لحالة الجهامة.. يفرط الكاتب غالينو في وصف المتاهة الإنسانية المعاندة.. تلك التي تتجسد على هيئة استدراكات حكائية واضحة كما في حكاية «حدود الفن» (الكتاب ص14) والتي استند فيها على المعاضد التاريخي لحظة أن شرع في سرد تفاصيل الحرب على مدينة سلفادورية (توسكاتلان) والتي أبيد فيها أهل القرية ليصوغ (غالينو) فكرة النص حول غياب التوأمين حيث أضاعهما بطل القصة (خوليو) لتتواصل رحلته في البحث عنهما حيث تجسد هذه المشاهد قدرة الكاتب على توظيف المفارقة المأساوية بين رجل يحترف التصوير في زمن حرب ضروس تدمر كل شيء لتبقى اللقطات الفوتوغرافية هي السند الاسترجاعي لحالة الموت اليومي الذي عاشه التوأمان وانتهت حياتهما في خضم هذا الصراع الأبدي الجائر.. فالقصة أو الحكاية وصف حقيقي مباشر لحالة الألم التاريخي الذي تستعيده ذاكرة الراوي ويبرع البطل في اقتفاء تفاصيله. فيض الذاكرة.. جماليات القول.. تسير مقاربات (غالينو) السردية في مسالك الحكاية المألوفة.. تلك التي لا تحتاج إلا لفيض من الذاكرة المكتظة بالوجوه والشخوص والأحداث التي تعتلج في ذات الكاتب حتي تخرج لنا على هيئة بوح سردي عاتب؛ لكنه يحافظ على رشاقة الجملة واقتضاب الحدث حتى اننا نطالع (خمس حكايات) في صفحتين فقط هي: (موت، بكاء، احتفاء بالضحك، الجدران تتحدث، بائع الضحك) «المجموعة ص 98، 99». الذاكرة هنا مورقة تتدفق منها شلالات الوصف لحالة الإنسان الذي يقف أمام ما رد الموت مصاباً بالحيرة.. كما في قصة «بكاء» والتي تجسد عناء أهل الغابة الأمازونية الأكوادورية لحظة ان يداهم الموت جدة أحد الشخوص ليضج من حولها بالنواح.. فالقصة كاملة لا تتجاوز أربعة اسطر لكن غالينو يضع فيها حالات كثيرة تجسد لحمة السرد أهم تلك الحالات.. حالة المكان ضفاف نهر الأمازون الأسطوري، الزمان لحظات احتضار الجدة، الشخوص هم من حولها من بكائين يجأرون بالنواح، أما الحدث الأهم فهو حالة الإنسان المكابد.. ذلك الذي تفزعه هجمة الموت الشرسة. سياج الأسلاك.. نهاية التاريخ في لحظات التنوير لكل نص قصصي يقدمه (غالينو) للقارىء من خلال كتاب المعانقات نرى سيطرة الروح الساخرة... تلك التي تنهي الحكاية على شكل بوح عاتب مباشر.. ليبرع الراوي في مد جسور الكلمات من خلال هذا الفضاء الشائك؛ فنراه تارة مدفوعاً من الكاتب يقفز فوق حواجز الحدود ويجتاز كلما سنحت له الفرصة أسلاك هذا العالم الذي يحصي عليه حركاته، ويراقب سكناته بارتياب واضح.. وكأنها نهاية الكون وغاية التاريخ الذي صَوَّره «غالينو» على هيئة رجل هده زمن الحرب وأرهقته الشجاعة والبسالة في مطاردة خيال النصر حتى أصبح مجرد مخلوق يردد تلك الأصوات المكررة في فضاء حياة العالم الذي لازال يبحث عن ذاته.. فالتاريخ وسياجات الحدود هي معالم السرد في معانقات «غالينو».. تلك التي وردت على شكل ثلاث قصص بعنوان «احتفاء بالشجاعة».. (الكتاب ص: 119، 120، 121). إشارة: * كتاب المعانقات (قصص). * إدواردوغالينو. * الطبعة الأولى 2002م دار الطليعة دمشق. * ترجمة أسامة أسبر. * الكتاب من القطع المتوسط في (126 صفحة).