ثلاثون عاماً من التنقّل في الأعمال وتأمل سلوكيات القيادات، أكتب بين حين وآخر ملاحظاتي على الممارسات الإدارية المحلية. أرجو أن لا يزعج ذلك، فهي انطباعات ننثرها باعتبار النقد الذاتي للثقافة أمراً مهماً للتطوير. اليوم أكتب عن متلازمة الخوف التي يتحلَّى بها بعض المدراء السعوديين، وكيفية احتيالهم عليها. الخوف من اتخاذ القرار والخوف من التصريح بالرأي الذي يرونه من وجهة نظرهم والخوف من قول «لا» كما تقول «نعم». طبعاً لن أبحث كثيراً في الأسباب وهل هي عدم الثقة في النفس، الخوف على السمعة، الخوف من النظام، تقديس المسؤول أو الخوف منه، الهروب من المسؤولية، الخجل والحياء أو تقييد الأنظمة؟ الأمر يحتاج إلى فحص وأسئلة ذاتية، لماذا يتردد أحدنا في اتخاذ القرار وهل ينطبق عليه الوصف بالمتلازمة هذه؟ هل هي متلازمة مصطنعة أم ثقافة سائدة؟ المتلازمة تسبب كثيراً من التعطيل البيروقراطي للمعاملات. وهي ملاحظة ليست فقط في اتخاذ القرارات، بل نجدها كذلك في بعض الاجتماعات، حيث نعاني فيها من عدم وضوح وصراحة وشفافية النقاش واتخاذ القرار. أحد مسؤولي الجامعات الكندية، يحدثني بأنه كان يعتقد بأنه (تكنيك) من المحاور السعودي له على الطاولة عدم إبداء رأيه بوضوح، لكنه مع الوقت اكتشف أنها ثقافة وصفها بثقافة الخجل والأدب المبالغ فيه وتقديس المسؤول من قبل أعضاء الفريق. يشتكي من كونه يقضى ساعات في اجتماعاته معنا لا يخرج منها برأي وقرار واضح على مواضيع النقاش، شخص واحد يتحدث بعموميات والبقية صامتون فلا يدري هل هم موافقون أم رافضون، لا يدري ما هو القرار النهائي.. مصطلح الخوف مزعج وتعمدت استخدامه للوضوح، لكنه في الواقع يأتي ضمن مسميات أخرى، منها الأدب واللباقة. ويتم تمريره ضمن ثلاثية (أي بي إم) السعودية. ثلاثية مقتبسة من أول حروف الكمبيوتر أي بي ام. وتعني؛ إن شاء الله، بكره، معليش. تقدم طلبك أو رأيك أو موضوعك للمسؤول فلا يجيبك بنعم أو لا، بل يستخدم ألفاظ غير محددة مثل «إن شاء الله»، «سندرس الموضوع»، «خير إن شاء الله» فتقول له متى طال عمرك تحسمون الأمر يجيب «قريباً إن شاء الله» وإن ضغط عليه سيقول «بكرة إن شاء الله». تأتي بكرة فلا تجده أتخذ قراراً فيعيد نفس الإسطوانة وإن ذكرته بالوعد يجيبك «معليش» سننظر في الأمر «إن شاء الله» وهكذا تعاد الإسطوانة ولا تخرج منه بقرار واضح، مجرد ترديد لثلاثية «إن شاء الله، بكرة، معليش» ومرادفاتها. أحياناً يكون المسؤول مُضمراً للإجابة لكنه يخاف قولها، يرتاح من وجع الدماغ باستخدام الثلاثية أعلاه، ريثما يتخذ القرار غيره، أو يسعفه أحدهم بمبرر إداري يستند عليه. يحيل الموضوع لآخرين لأخذ المرئيات، وهكذا تخلق معاملات بيروقراطية، دون تقدير لوقتك وقلقك وانتظارك. والبعض يعتقد أن تأخير الإجابة والتمترس حول ثلاثية (أي بي إم) يؤدي إلى ملل الطرف الآخر وسكوته وبالتالي إعفاؤه من اتخاذ أو إعلان قرار. أخيراً نؤكّد، هذه ملاحظات وليست تعميماً أو دراسة علمية. أدعو كليات إدارة الأعمال باعتبارها معنية بتخريج الكفاءات الإدارية، دراسة خواص الثقافة الإدارية السعودية وكيف نتغلب على سلبياتها!