ليس كل من ترجّل عن جواده فارساً، وليس كل من ترجّل عن كرسي المسؤولية مفقوداً، فروقات جوهرية بين مترجل وآخر، فكم من مترجل عن كرسي المسؤولية يعد عند زملائه يوم عيد! كونه لم يكن المسؤول الذي يعني دور المسؤولية، فلا إنجاز حققه، ولا معروف بذله، ولا حسن تعامل أبقاه في ذاكرة من عمل معه. يرحلون فيكون يوم رحيلهم آخر يوم في ذاكرة الناس، فتطوى صفحتهم كأسوأ صحيفة طويت! فلا شواهد تشهد لهم على حسن الأداء، ولا مشاهد تخلد لهم في الوطن ما يبقيهم في ذاكرة وطنهم المعطاء! الإنسان مهما كان راحلاً، سواء الرحيل الأبدي (الموت) أو الرحيل المؤقت، ترك المسؤولية الوظيفية، فهو نفسه القادر على بقاء ذكره كعمر ثانٍ له. أوصى رجلٌ بنيه، فقال: «يا بني عاشروا الناس معاشرةً إن غبتم عنهم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم». وقول الآخر: وترك العمل الوظيفي بعد عقود من العطاء، لمن وفقوا للعطاء، هو في الحقيقة مرحلة جديدة للإنسان، فإما أن يبقي ذكره بين الناس كأجمل ذكر وأحسنه، وإما أن يكون نسياً منسيًا. أكتب هذه المقالة يوم ترجل فارس وكالة الأنباء السعودية معالي أخي عبدالله الحسين، الذي ترجل وهو في أوج محبة الناس له، وفي عنفوان عطائه الذي سيبقى أثره على هذه الوكالة الشامخة عقوداً وعقوداً، فقد نقل بعد توفيق الله ومن ثم دعم الدولة هذه المؤسسة الإعلامية إلى مصاف وكالات الأنباء العالمية المرموقة. ترجل عن كرسي المسؤولية فبعثت له ليلتها رسالة مباركة على أنه ترك المسؤولية والوكالة في أوج عطائها وتميزها، وموظفوها في قمة ولائهم لمنظمتهم، وحبهم لعملهم، وما ذلك إلا لحسن قيادة رئيسهم. عبدالله الحسن رجل يعطي العمل كل وقته وجهده، رجل مخلص بما تعنيه الكلمة، قيادي متميز، صارم وحنون في الوقت نفسه، عرفته في رحلات كان يرأس فيها الوفد الإعلامي الضخم متعدد الجهات والهيئات، ومع ذلك كان على قدر المسؤولية، ويعطي كل ذي حق حقه. قلت: عبدالله الحسين.. فارس سيبقى في الذاكرة.