سنة 2020 انتهت، وبدأ عام 2021، والبعض من فرط التفاؤل استحضر قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}، على اعتبار أن 2020 آخر السنوات العجاف وأن 2021 بداية انكشاف الغمة، وأنه عام فيه يصح الناس وفيه يسافرون، وفيه يستعيد العالم صلته ببعضه، وفيه يأمنون، بعد أن قطعت كورونا الأرحام، وباعدت المسافات، وكشفت ضعف الإنسان بكل ما أوتي من قوة بالعلم والتقنية. خليجياً ننتظر اجتماع شمل قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربي في قمتهم الحادية والأربعين في المملكة العربية السعودية، والبشائر هلّت بتجنب حدوثها في 2020م، وكعادة هذه القمة فإن القليل قد رشح عن برنامجها وجدول أعمالها، ويبدو أن المصالحة مع قطر قد تكون عنواناً بارزاً فيها. وإن تحققت مصالحة أو بوادرها، فسيكتب تاريخها ممهوراً بسنتنا الجديدة، وإن حدث غير ما يترقبه الخليجيون، فما زال الوقت مبكراً للحكم على 2021م. أمريكا ليست بعيدة عن المشهد الخليجي، وهنا لا أتحدث عن حرب مع إيران من عدمها، وإنما عن مستقبل الرئيس الأمريكي الذي قطع إجازته وعاد لواشنطن ليكون في خدمة الأمريكيين «بدون كلل» كما قال بيان البيت الأبيض. بعد غد يجتمع الكونجرس بمجلسيه في جلسة مشتركة برئاسة نائب الرئيس لفرز الأصوات وتقرير مصير الرئاسة الأمريكية، وهو إجراء لم يكن الأمريكيون يتوقفون عنده ناهيك عن انتظارهم له، فقد كان استكمالاً للرسميات التي تتعلّق بالمصادقة على أصوات المجاميع الانتخابية. استطاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يجعل من الانتخابات الرئاسية الأمريكية قضية، ولم تكن كذلك في غير الأفلام والمسلسلات. آخر السيناريوهات أو الحبكات الدرامية ما يتم تداوله عن دخول أمريكا الحرب ليتمكّن الرئيس من قلب نتيجة الانتخابات، وأخشى أن فرصة تأثير الحرب في مستقبل الرئيس قد أفَلَت، فالشعب الأمريكي لم يخذل رئيساً دخل الانتخابات وهو في حالة حرب، وفي الوقت عينه لم يستخدم رئيس سابق الحرب لقلب نتيجة الانتخابات لصالحه. هناك سيناريو مستبعد وهو شن حرب قبل يوم أداء القسم، وبذلك تخرج المظاهرات في الشوارع الأمريكية، وتقابل بمظاهرات مضادة وببعض العنف فيكون ذلك مبرراً لإعلان الرئيس حالة الطوارئ، ومتى أعلنت فإن كل شيء يصبح مباحاً للرئيس، وحينها ستدخل أمريكا نفقًا مظلمًا. ولذلك أقول إن هذا السيناريو مستبعد، لأن عقيدة الرئيس معارضة لحروب. سننتظر لنعرف ما سيبديه العام الجديد للأمريكيين والعالم. بريطانيا العظمى غادرت الاتحاد الأوربي مع أولى بواكير 2021، بعد خمسين عاماً من العضوية، واستعادت حسب تصريحات رئيس وزرائها سيادتها، وهو على حق ففي الاتحادات الدولية تفقد الدول الوطنية بعض سيادتها لصالح المجموعة السياسية التي تنتمي إليها، وبالقدر الذي يحتفل الوطنيون واليمينيون بالخروج من الاتحاد الأوربي، يترقب آخرون الشكل النهائي لعلاقة بريطانيا مع القارة العجوز، وبخاصة في ظل ترتيبات متعلّقة بجبل طارق وإيرلندا الشمالية، وتأكيد إسكتلندي على الانتماء لأوروبا وسعيهم لإجراء استفتاء آخر للاستقلال عن المملكة المتحدة، ومن ثم العودة للاتحاد الأوربي. لا أظن أن العالم من حولنا يهتم لمصالحة خليجية، ولا بمن سيكون الرئيس القادم لأمريكا، أو بخروج بريطانيا من أوربا، فالناس مشغولون بكوفيد-19 وعترته التي تتكاثر يوماً بعد آخر، وإن الآمال معلّقة بالله ثم بلقاحات الفيروس التي أنتجتها شركات الأدوية، وبدأت تصل تباعاً للقادرين على شرائها وتوفيرها لمواطنيهم. أيًا كانت فداحة المنقلبات على الصعيد الخليجي، والأمرو-إيراني، والأوربي فإنها لا تعدل وزن الفيروس الذي فتك بالحياة. وأية قرارات تحدث في العام 2021 سواء أكانت مقاطعات، مصالحات، أو حروب نووية، فإنها ستبقى هامشية مقارنة بكورونا. عام 2021 لا يقرّر مصائر البشر، ولكن إتاحة الفرصة للعلماء أن يكتشفوا، وللتعاون الدولي أن يعمل بكفاءة، وللأمن أن يبسط الاستقرار على الكرة الأرضية، هو الذي سيجعل عام 2021 مختلفاً عن السنة السابقة.