كانت سنة 2020م من أسوأ الأعوام التي مرت على المنطقة والعالم في الفترة المعاصرة، خاصة من الناحيتين الصحية والاقتصادية. إنها السنة الكبيسة الكئيبة التي قاسى معظم العالم خلالها، وما زال، من جائحة كورونا الغامضة، ومن تداعياتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية المدمرة. فلم يسبق، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، أن وضع العالم كله في حالة خوف وترقب، وطوارئ واستنفار وقلق، يشمل كل الكرة الأرضية تقريباً، ويحيل الحياة فيها إلى ركود وتدهور صحي واقتصادي كاسح، كما حصل ويحصل بفعل تفشي وانتشار فايروس كورونا (COVID-19) القاتل، الذي أصبح انتشاره يمثل وباء عالمياً فتاكاً، بحسب إعلان منظمة الصحة العالمية، الصادر يوم 11/3/ 2020م. وهذا الفايروس الغامض المدمر للجهاز التنفسي للبشر ينتقل بين الناس بسرعة هائلة، عبر التنفس واللمس. وقد ظهر في مدينة ووهان، بمقاطعة هوبي بالصين، ابتداء من شهر ديسمبر2019م. ثم أخذ يتفشى وينتشر في العالم كله، انتشار النار في الهشيم، فأصاب سكان 188 دولة، من مجموع 200 دولة هي دول العالم. وقارب عدد المصابين به في العالم حوالى 85 مليون شخص، أما عدد من ماتوا بهذا الوباء فقد بلغ مليوني شخص، حتى كتابة هذه السطور. ومازالت هذه الجائحة مستمرة، وتدخل عامها الثاني بقوة. غير أن العالم الآن على وشك وقفها، بعد استحداث لقاحات... تقي منها، ولدرجة معقولة، كما يقولون. وغالباً ما ستكون سنة 2021م هي السنة التي يتخلص العالم فيها من وباء كورونا المدمر. وذلك ربما يكفى للتفاؤل بمقدم هذه السنة، وتنفس الصعداء فيها، فرحاً بزوال كورونا، وعودة الحياة لطبيعتها. ويتندر بعض الصحفيين الأمريكيين بتهنئة معارفهم بالسنة الجديدة، بالقول: نرجو أن تكون هذه السنة خالية من كورونا، ومن دونالد ترمب، وخالية أيضاً من أي وباء جديد...؟! **** وبالإضافة لتوقع انتهاء كورونا، يتوقع انتهاء بعض الأزمات الدولية، في هذا العام، ومنها: أزمة شرق المتوسط، وأزمة عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وكذلك الأزمة الخليجية، ويلتئم الشمل بعد قطيعة إشكالية منهكة، استمرت قرابة الثلاث سنوات. ومما يدعو للتفاؤل أيضاً، توقع أن يعود مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى ما كان عليه حتى عام 2017م، وأن يسير نحو تضامن أوثق، في ما بين الدول الست الأعضاء به، وبما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول، ويدرأ عنها الأخطار المشتركة الكبرى التي تواجهها. ولكن هذه السنة ستشهد أيضاً مشاكل وأزمات إقليمية وعالمية جديدة. وسيشهد مطلع هذه السنة تولي إدارة أمريكية جديدة مقاليد السلطة في واشنطن. ومعروف أن لأمريكا تأثيراً سياسياً ضخماً على كل دول العالم، وبخاصة على المنطقة العربية. ولم يسبق للعالم أن ترقب تغيير الإدارة الأمريكية، كما يترقب الآن ذهاب ترمب، ومجيء بايدن. وذلك بعد أربع سنوات من السياسة الترمبية المثيرة للقلق، والاستغراب. كانت معظم سياسات إدارة الرئيس ترمب نحو المنطقة والعالم، شبه سلبية، في معظمها. وبمجيء إدارة «بايدن» للسلطة في البيت الأبيض، يمكن القول إن السلطة التنفيذية في أكبر وأهم دول الغرب المتنفذ هي الآن، ولأربع سنوات قادمة، على الأقل، في يد ساسة ليبراليين غربيين، يمثلون الوسط السياسي الغربي المعتدل. وهذا ما ينبئ بتغيير (إيجابي) في السياسات الأمريكية، أو هكذا يجب أن يقرأ هذا الحدث. فالمتوقع هو فرق إيجابي محدود، وعودة لمسار سياسي عقلاني معهود. اتسمت سياسات ترمب، بالنسبة لأمريكا وللعالم، كحال بقية السياسات، ببعض الإيجابيات وبسلبيات خطيرة. وهذه الإدارة تسلمت حكم أمريكا وهي قوية ومتماسكة، وهى الآن ترحل وأمريكا تعاني، على المستويين الداخلي والخارجي. فداخلياً، هناك انقسام اجتماعي- سياسي حاد بين الأمريكيين «البيض»، وبعضهم عنصري، مؤيد بقوة لترمب، وبقية الأمريكيين «الملونين». وهذا الانقسام تجسد في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة. حيث صوّت حوالى 74 مليون أمريكي لترمب، بينما صوت لبايدن حوالى 80 مليون أمريكي... في الانتخابات التي شهدت أعلى نسبة مشاركة ( Turnout) في الفترة المعاصرة. **** عملت إدارة ترمب، من حيث تدري أو لا تدري، على إشعال فتن طائفية بتراخيها عن بعض الانتهاكات العنصرية، ضد الملونين الأمريكيين. وعلى المستوى العالمي، كان هم ترمب الأساسي هو: تضخيم ثروته ورعاية مصالحه الخاصة، وخدمة إسرائيل، كما لم تخدم من قبل. وحاول مواصلة مد النفوذ الامبريالي، بهدف استمرار الصدارة الأمريكية لأطول فترة ممكنة، فلم يفلح كثيراً في تحقيق هذا الهدف، بسبب ما اتبعه من سياسات، اتسمت بالغطرسة والاستعلاء، وتجاهل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، وعدم الاكتراث بحقوق الآخرين، وارتكاب أخطاء استراتيجية انعزالية. والمتوقع، أن تعمل إدارة بايدن «عكس» ما عملته إدارة ترمب، في كثير من القضايا والمسائل، الداخلية والخارجية. وقد نكمل هذا الحديث لاحقاً. كاتب سعودي [email protected]