لم أر في الشعراء العرب المعاصرين ممن لقيتهم أو قرأت لهم من هو في مقدرة الشاعر فواز عيد من حيث التمكن الكامل في بناء الإيقاعات الراقصة في وصف الرقصات الشعبية والعرضات الشعبية والرقص بوجه عام أبلغ من الكلام، فإذا تمازج الشعر والرقص والموسيقى في قصيدة شعرية كما رأينا سلفاً في قصيدة «دان، دان» فهذا هو الفن في بعده الثالث المتحاور مع كل الثلاثيات الكونية. كان الشاعر فواز قد شهد «العرضة النجدية» في حفل استقبال الملك الشهيد الفيصل الراحل للملك الراحل الحسن الثاني، واستدار الليل خيولاً مطهمة تعلك اللجم والسيوف تزوغ في عيون الراقصين مثل أكوام من الأنواء والشهب المستثارة المنهمرة. (على مهلٍ يَرفُّ الليلْ فترشَحُ من جوانبه زيوت الطِّينْ فَجُرِّدت السيوفُ معاً معاً عَصَفتْ مَعاً ماجَتْ تَبَعْثَرتِ الكعوبُ رزينةً رُفِعتْ معاً رفعِتْ معاً وضِعت على رملٍ قديم الحزن ممدودِ فعودي يا حزينة يا تلاع بيارق العهد القديم رَخيةً عودي هنا عَثَرتْ خيول الفُرسِ والرومان هنا قد جادك الغيثُ العميمُ. هناك هَمَا وتعلك ها هناك خيولهم لُجُمَا وَجُرِّدتِ السيوفُ معاً معاً عَصَفَتْ معاً ماجَتْ تبخرت الكعوبُ رزينة رُفِعتْ معاً رُفِعتْ معاً وضعت .... تتك، تتتك، تتك تتك...) إنك لتشعر أن فواز عيد كان معهم يَعرِض وأنه وهو يرقص كان أيضاً يقوم بتصوير الكعوب وهي بكل رزانة تنهض إلى فوق بحركة متناغمة مع إيقاعات جسد الراقص، إنه لا يقوم بتصوير كل الجسد، إنه فحسب يكتفي بتشغيل الكاميرا ليلتقط الكعب في براعة يستعين بها لتشغيل الكاميرات الأخرى التي هي فريق عمل تصويري للمشهد وهو عامر برفيف الليل، وانهمار السيوف، ثم ارتفاعها وموجها وعصفها، والليل كله محفوف بالخيل وهي تعلك اللجم، والبيارق وهي تعود بالرخاء والغيث العميم. ليست قصيدة «العرضة النجدية» في دواوين فواز المنشورة وأكبر ظني أنه كتبها وأهداها للأمير خالد الفيصل وبقيت من بين الأوراق المخطوطة والمحفوظة باسم «المنتدى» لدى سموه الكريم. فواز يختصر المسافات في نهارات الدفلى.. وارتباك الأقحوان لم يكن فواز مغموراً حين قدم إلى الرياض ليعمل في «معهد المعلمين» مدرساً للغة العربية، كان ذائع الصيت، وديوانه الأول «في شمسي دوار» قد طبع في بيروت، وقصائده في مجلة «الآداب» البيروتية محل الإعجاب والإكبار. ولم يكن ليصلح للتدريس الذي لم يبق فيه إلا بضعة أشهر ثم انتقل للعمل في الحكومة فترة قصيرة ثم تَشَرَّد ثم تعاون مع الإذاعة السعودية ثم عاد إلى سوريا وتزوج وظل فوق سفينته هائماً على وجهه لا يجد من يُسَرِّي عنه سوى الأمير خالد والأستاذ المبدع الكاتب الفنان الكبير مشعل السديري، ثم غادر إلى العالم الآخر وهو ما يزال في فوران الشباب وقوة العطاء وصراع الحياة. يرحم الله فواز عيد عاش مظلوماً، ومات مظلوماً، ولم يعرف الإعلام العربي قدره ومكانته إلا وقد صارت شمسه على أطراف الجريد. وآخر ما قرأت عنه مقالة نشرتها جريدة عكاظ في 6 جمادى الآخرة «15» أغسطس في هذا العام 2002م كتبها صهره «يونس عطاردي»، ولحسن الحظ وقعت المقالة في يدي وفي يد الأستاذ مشعل السديري ولم نستطع قراءتها، فقد كنا سوية في بهو فندق «قصر أبها» حيث كان اللقاء من أجل حضور الحفل الختامي لفعاليات صيف أبها عام 1423ه. في هذه المقالة ما يدعو إلى النظر في أوضاع عائلته وأولاده، ولعلي إن لم أكن واهماً قد فهمت من الأستاذ الأريحي الأديب محمد الشدي رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون أن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد «رحمه الله» كان قد خصص له نفقة سنوية تقديراً لدوره الثقافي في المملكة. فإن كان هذا صحيحاً فالمطلوب النظر في مسارها، وكذلك فإن المسؤولية مناطة بأصدقائه كالأمير خالد، والأستاذ مشعل السديري، وآخرين مما لا مجال لذكرهم، وأرى من المناسب أن أهيب بصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل نائب الرئيس العام لرعاية الشباب لكونه نائب الأمير خالد في «مؤسسة الفكر العربي»، أهيب به للنظر في الأمر فالمسؤولية منوطة به من عدة جوانب كلها معلومة. آخر نص كتبه فواز عيد يرث الفراتُ الأرض يورقها يؤثث جرحها قصباً ودفلى كي تفيق بها الحياه ويُعَلِّم القصب المواويل الجريحة والمرارة في النباتْ ويعود صوت أبي فراس باكياً في أسره ليعود حزن الأمهات