نطاسي يسرج خيوله وأخيلته، شاعرًا ومترجمًا، بمبضع مشرطه ولغته الشفيفة المتعمقة في جسد التأثير وأمداء الاجتلاء، تجلت تجربته الإبداعية.. استضافته «الجزيرة الثقافية» بعد صدور آخر أعماله. الطبيب الجراح الدكتور (شريف بقنة) عن دار ميلاد، التي ترجم فيها (100 قصيدة) عالمية، إلى عالم الشعر (بعد أن ولدت حبسوني) وأهداها لابنه جواد الذي رحل دون أن يخبره عن أشياء كثيرة، منها أنّ العالم أكبر بكثير من منزل جدّته وأنه أفظع منه كذلك! تحدث قائلاً: ترجمة الشعر عَنائِي واستراحتِي، غِوايتي وهِدايتي منذ أكثر من عشرة أعوام، كان إصداري الأول المترجم عام 2012 (مختارات من الشعر الأمريكي) عن دار الغاوون ببيروت، مرّت الأيام بعد ذلك وتعمّدت أن أصقل تجربتي بالقراءة المكثفة في الفكر والأدب الإنساني وفي الشعر العالمي خاصّة والذي يستهويني، غالبت نفسي مراراً (وما زلت أفعل)؛ بتأخير أي إصدارٍ حتى استشعر نضجاً أكبر وخبرةً أعمق لأدَواتي وإمكاناتي الفنيّة والمعرفية، عام 2018 حدّدت معالم مشروعي الترجَمي الجديد واخترت مئة قصيدة لمئة شاعر/ة من أطياف ومدارس شعرية مختلفة، توزّعت على ما يقارب ال 25 دولة، عملت على ترجمة القصائد على مدار عامين ونشرت بعضاً منها في الصّحف والمجلات الأدبية وفي حسابي ومدونتي الشخصية، بعد مراجعة وتحرير المجموعة تقدّمت بالعمل لدار النشر هذا العام. وعن الغلاف اللافت وما إن كان يحمل أسراراً وأبعاداً ومضامين تتجلى من نظرة متصنمة لشخصيتين من «صلصال» بالحزن، منهما ندلف لقصيدة: لحظات لخوخي لويس بورخيس، وإهداء مرير وصولاً الغلاف الأخير الذي تركنا نودع مجددًا القصيدة.. أسراج ضيفنا خيوله في سماوات البوح وقال معلقًا: أعتقد أن هذا الوصف المبدع ليس حزيناً بقدر ما هو أصالة وجدّية، العمل أخذَ وقتَه وجمع مشارب متنوّعة، بين الحبّ والموت والبهجة والبؤس، إنّه تأمّل ماتعٌ لماهيّة الشعر الإنساني وتأكيد مدهُش على وحدة الحسّ الإنساني مهما اختلفت الأماكن وتنوّعت اللغات. غلاف الكتاب كان منحوتاً استثنائياً بالتأكيد، تستنطقُ صلصالاً أن يتخلّق أو على النقيض كأنّها مجرّد أثَر أحفوريٍّ لا يعني غير الفناء. وجدت صورةَ هذا العمل بمحض الصدفة قبل ما يزيد على العامين (قبل البدء في الكتاب) في أحد الحسابات، احتفظت بالصورة دون سببٍ فقط لمجرّد الإعجاب، وعندما كنت أبحث عن غلافٍ للكتاب تذكّرت شيئاً مخبأً لمثل هكذا مهمة في أحد مجلداتي، تقفّيت اسم الفنان وهو النحات الفوتغرافي « George dawnay» وتواصلت معه وحصلت على موافقته، وقبل أيامٍ - فقط - وصلته نسخته من الكتاب في لوس أنجلوس. وكشف الشاعر والمترجم شريف بقنة أنّه مسحور بالقصيدة النثرية الفرنسية، ما جعل كتابه الأول أشبه بأنشودة من أناشيد لوتريامون قبل أن تتشكل قصيدته الخاصة. وقال في معرض إجابة استعرض فيها البدايات ووجهته المقبلة: في بدايات تجربة الكتابة يشعر أي كاتبٍ بثقْلِ التأثّر من قراءاته وجرَت العادة أن يتنصّل أي فنان أو أديب عن ذكر أسماءٍ بعينها ليؤكّد بُعْدَه التّام عن تقليد ومحاكاة أي اسم، ولكنني لا أجد أي حرجٍ بالقول أنني كنت مسحوراً بقصيدة النثر الفرنسية، بلوتريامون، بودلير، ارثو رامبو، سان جون بيرس، ستيفان ملارمه، اندريه بروتون، هنري ميشو وأسماء أخرى، بل إنّ كتابي الأول (مقتطعات الرنين) 2004 م كان أشبه بأنشودةٍ من أناشيد لوتريامون أو قطعةٍ من جحيم رامبو، الآن لا أجد كتابيّ الأول يمثّلني على الإطلاق. بعدها بثلاث سنين أصدرت مجموعتي الثانية (مدن العزلة) 2007م وأعتقد أنني نوعاً ما بدأت أشكِّلُ قصيدتي الخاصة وأسلوبي الخاص، بمرور الوقت نوّعت قراءاتي بين القصيدة الأمريكية والأوروبية واللاتينية والعربية كذلك بالإضافة إلى ما يشدني من الأعمال الروائية والفلسفية والنقديّة. كان اشتغالي الرئيس في السنوات العشر الفائتة ترجمة الشعر ولكن تظل كتابة الشعر تلاحقك وإن كنت مشغولاً بغيرها، نشرت مؤخّراً مجموعةً من القصائد في بعض المجلات وفي مدوّنتي على أن أصدر مجموعتي الثالثة قريباً. وأضاف مبينًا رأيه في مسألة «مشروعية وجناية» تدخل المترجم في النص الأصلي والجوانب التي دعته أن تقع اختياراته على تلك الانتقائية الرائعة: بالحديث عن تدخّل المترجم في القصيدة لا بد أن نضع في الاعتبار عدة أمور؛ لتقريب الصورة دائماً ما أشبّه ترجمة الشعر بتحطيم منحوتة جميلة عن بكرة أبيها وإعادة جمع فتاتها في منحوتة أخرى جميلة، منحوتةٌ مختلفة نوعاً ما ولكن لها نفس روح الأصل. تحيّز أدونيس وعزرا باوند مثلاً للفن في الترجمة أما كبيرنا بورخيس فقد تحيّز للحَرْفية في محاضراته عن الشعر والترجمة، أجدني أقفُ في المنتصف بينهم، بين الفن والمعنى والقيمة التي تجعل من الترجمة قصيدة ناجزة، في مقابل الحَرْفيّة والأمانة إن كانت القصيدة ليست عصيّة على ذلك واستطعت إليها سبيلاً. بالنسبة إلى اختيار القصائد، أحياناً أجدُ أن البحث عن قصيدة تستحقُّ وتلائم الترجمة أكثرَ مشقّة من ترجمتِها، والوقت المُستغرَق في القراءة والتنقيب قد يوازي أضعافَ وقت الترجمة، على الرغمِ من أن ترجمةَ قصيدةٍ واحدةٍ قد تستغرقُ أسابيع، دائماً ما يكون همّي أن أتقاطع مع القصيدة وأقبض على روحِ الشاعر فيها لأتمكّن من إعادة ضخها و نحتها من جديد في القصيدة. وبالإشارة إلى «والت ويتمان» وأهمية التجديد في «الأدب العربي» وإن كان الابتعاث فرصة لجيل الشاب لإحداث انقلاب في الشعر وغيره من الفنون، وعدم رصد تجربة ملفته لها أصداءها أوضح بقنة: التجديد والتجريب في الكتابة الشعريّة مهمُّ وحيويّ لاستمرار الشعر كثمرة التّوت الحلوة على قمّة شجرة المعرفة الإنسانيّة، بالإضافة إلى برامج الابتعاث أعتقد أن التقدّم التكنولوجي سَهّل الوصول إلى تجارب مغايرة وكان له دوراً في الانفتاح والتثاقف مع مدارس إبداعيّة عالميّة في مختلف أنواع الأدب وليس في الشعر فقط، هناك العديد من الأسماء التي أجدها تجديدية و مهمّة في الشعر العربي الحديث، و أخصُّ الحديث هنا الشعر السعوديّ المعاصر، أسماءٌ لها نتاجٌ ملفت وروح مغايرة سواء في جيل «ما قبل الألفين» أو ما بعده، سواء من يكتبون قصيدة نثر أو العموديّ، أعتقد أن الزمن وحدَه كفيل بتحديد تأثيرهم، لن ارتدي عباءة المنظّر أو الناقد في التصنيف والتحليل أكثر، من الأسماء الملفتة عبدالله ثابت، زياد السالم، أحمد الملا، جاسم الصحيح وصالح زمانان.