في كثير من المجالس والاماكن والمنتديات العامة والخاصة و الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية يكثر ويحلو الحديث عن مشاكل القبول والتوظيف والتخصصات المطلوبة في السوق وغير المطلوبة والتحويل من والى هذه التخصصات وتغيير وتحديث المنهجيات و غيرها من المشاكل ذات العلاقة، كما يتبع ذلك الحديث إبداء الاقتراحات والحلول لهذه المشاكل ولا يخلو أيضا عن التذمر عن بعض القرارات الغريبة التي تصدر من بعض متخذي القرارات بشأن هذه المشاكل. وهذا التذمر ينتج في الغالب نتيجة شعور الكثير من المثقفين بأن الكثير من متخذي القرار يبنون قراراتهم على استراتيجية «الكعكة» و كم سيكون نصيبهم منها ، أي الشعور بأن بعض القرارات الإدارية مبنية على مصالح فردية تتأثر بنزعات شخصية أو منفعية أو خلفية و تخصصات متخذي القرار. ويمكن تلخيص هذه المشكلة في الكلمات التالية: سوق العمل يتطلب نوعا معينا من التخصصات الطبية والمعلوماتية والتجارية، و قد اكتفى من بعض التخصصات الأدبية والزراعية والنظرية ، و إذا كان كذلك فلماذا لا يلغى أو يقفل بعض التخصصات غير المطلوبة وفي نفس الوقت يمكن بهذا الوفر التوسع وتكبير الكليات الطبية و كليات الحاسب الآلي. فنقول وبالله التوفيق إننا وللأسف دائما نركز على علاج موضعي لأعراض المرض أو أعراض المشكلة وليس على المشكلة نفسها ومسبباتها ، فمثلا عندما جاءت مشكلة القبول في الجامعات سارعنا بفتح الجامعات والكليات الخاصة والدبلومات والمعاهد لاستيعاب اكبر عدد من خريجي الثانوية ونسينا أن المشكلة هي اكبر من ذلك ومشكلة القبول مثلا هي أعراض المشكلة وليست المشكلة نفسها، ولذلك قد تبرز لنا مشاكل أخرى و لا ادري كيف سنعالجها مستقبلا كمشكلة توفير أعضاء هيئة تدريس مؤهلين لهذه الجامعات والكليات ومشكلة توفير الوظائف للكم الهائل من الخريجين في هذه التخصصات و قد تأتي مشكلة تشبع في بعض التخصصات كتخصصات الحاسب مستقبلا وندرة في تخصصات أخرى لم يتم التركيز عليها الآن. نرجع الآن لموضوع المقالة وهو عن الكليات المطلوبة وغير المطلوبة وفكرة إلغاء أو قفل بعض التخصصات أو الكليات فنقول أولا: إن فكرة إلغاء بعض ضروب العلم والمعرفة نهائيا قد يعتبر من السذاجة بمكان وخاصة ينبغي أن يكون عندنامتخصصون في جميع صنوف العلوم المختلفة و لم يمر على سمعنا أو بصرنا أو نواجه مثل هذه القرارات في الدول الصناعية والغربية المتطورة. ثانيا: أيضا من الأخطاء الفادحة بمكان إبقاء هذه الكليات والأقسام تستهلك الميزانيات الكبيرة و نستمر في سياسة قبول و زج أعداد كبيرة من شبابنا في مثل هذه التخصصات غير المطلوبة، لذلك فالحل المعقول قد يكون وسطاً بين هذين النقيضين كتجفيف أو تقييد أو دمج الأقسام غير المطلوبة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وهو الأهم وهو موضوع المقالة اليوم وهو الاستراتيجية المثلى- في نظري - بين التوسع في الكليات الطبية والمعلوماتية و التجارية وبين الانكماش في الكليات النظرية والزراعية والأدبية خاصة وأنني لم أجد أو اسمع احداً من متخذي القرار أو الكتاب قد تطرق إلى هذا الموضوع من قبل. فنقول إنه من الخطأ اتباع سياسة التوسع في الكليات الطبية و الحاسوبية والمعلوماتية على حساب سياسة الانكماش أو الاضمحلال في الكليات الأخرى أي أنه بالإمكان الاستفادة من الموارد المادية والبشرية والاستيعابية المتاحة في الأقسام المشابهة في الكليات الأخرى لتلبية الطلب المتزايد على الطب والصحة والحاسب الآلي عموما و إتاحة المجال لتوفير الفرصة لطلاب أكثر للتخصص في تلك العلوم بالإضافة إلى الوفر المادي و حلول مشاكل الضغط والقبول على تلك الكليات بتوزيع الضغط إلى كليات و أقسام أخرى - مع عدم الإخلال بالمجالات الخاصة بكل كلية - بالإضافة إلى المزايا الأخرى التي سنتطرق إليها بالتفصيل في المقالة القادمة إن شاء الله.