ريادته الصحفية: يحتل الشيخ عبدالله بن خميس مكانة مرموقة في تاريخ الصحافة السعودية كرائد من الرواد المؤسسين فقد اقترن اسمه بمؤسسة الجزيرة حيث أسس الجزيرة كمجلة شهرية عام 1379ه وكان مالكها ومديرها ورئيس تحريرها وعندما تحولت إلى مؤسسة صحفية بعد أربع سنوات من تأسيسها لتقوم بإصدار صحيفة يومية هي جريدة الجزيرة المتميزة كان هو أول مدير عام لها وما زال إلى الآن عضواً في مجلس إدارتها وتحمل اسمه كمؤسس لها وهو يشغل بالإضافة إلى هذا الدور الرائد عضوية المجلس الأعلى للإعلام وعضوية هيئتي تحرير المجلة العربية ومجلة الدارة التي تصدر عن دارة الملك عبدالعزيز. ويعطي شيخنا الفاضل هذه الريادة في ميدان الصحافة بعدا عميقا بمفهومه للعمل الصحفي وما ينبغي أن تؤديه الصحافة من دور في خدمة قضايا الأمة والوطن حينما يقول تعتبر الصحافة في الأمم مقياسا حقيقيا لمقدار ثقافتها وحظها من العلم فكلما كثرت الصحافة في الأمة وانتشرت كلما كان نصيب الأمة من العلم كبيرا مزدهرا (1) . ويحدد القضايا التي كان يرى أن من مهمة الصحافة معالجتها قبل ثلاثين سنة وتبصير الأمة بكيفية التغلب على ما يواجهها من تحديات فيقول عن المادية الطاغية التي غزت عموم العالم وأخذت تسري في الشرق سريان النار في الهشيم وتكتسح روحانيته إلى الفناء والدمار وبلادنا لا تزال محتفظة بمبدئها متمسكة بشيء من أخلاقها وعاداتها الكريمة وهذه الأشياء هي مصدر عزها ورقيها ولكن التيار الجارف قد بدأ ينقصها من أطرافها ويفقدها هذه الخصائص والمميزات ومتى فقدت دينها وأخلاقها فبطن الأرض خير لها من ظهرها. فعلى عاتق الصحافة يقع العبء الأول والمسؤولية العظمى فلابد من تطعيم كل عدد من أعدادها بما يخاطب ضمير الأمة ويبصرها بما هي مندفعة إليه ويحذرها مصائر من قبلها ويفهمها أن الأمة بدون مبدأ تسير إلى الفناء والهلاك (2) . ومن التشديد على التمسك بثوابت الأمة من الدين والأخلاق والعادات الكريمة والتحذير من الانزلاق إلى مهاوي التهالك المادي ينتقل إلى ما يجب أن تقوم به الصحافة من دور إزاء الاقتصاد الوطني الذي به تكون الأمة قوة مقتدرة فيقول وبلادنا مقبلة على نهضة اقتصادية لا يستهان بها ولا تزال خيراتها خاما في تربتها ففيها كثير من المعادن النفيسة وثروة مائية عظيمة مترامية الأطراف تتسع لعشرة أضعاف من يسكنها الآن وتمتاز بالخصوبة ووفرة الإنتاج وبها ثروة حيوانية كبيرة وتجارتها مع العالم الخارجي أخذت تنمو وتزداد وقد أخذ سيل المهاجرين ينهال إليها من كل ناحية لهذا الغرض ويتسابقون إلى النقاط الجوهرية والمرافق الحيوية التي علموا من تجاربهم وحنكتهم أنها العمود الفقري لتنمية الثروة. وشعبنا لا يزال بعيدا كل البعد عن حذق هذه الأشياء والدراية لها فلابد للصحافة أن تقف موقفا حازماً في هذه الناحية وأن تتبنى مسألة الدعوة إلى الشركات والأعمال الجماعية وأن تبعث في الأمة روح العمل والكدح وأن تعمل على الدعوة إلى تنظيم علاقات اقتصادية بالعالم الخارجي بوضع ميزان للمعادلة بين التصدير والاستيراد والانتاج والتوزيع والدعوة إلى الحد من هذه الكماليات التي غزت بلادنا غزوا شنيعا وأخذ العامة يقلدون الخاصة فيها وأخذت أموالنا تتسرب إلى الخارج بالملايين في هذه الطريق ولابد من الوقوف بجانب الفلاح والدعوة إلى معونته بكل الوسائل وبذل الجهد في سبيل إرشاده إلى الطرق الناجحة والنتائج المضمونة. كل هذه العناصر ومثلها وعشرة أمثالها في اقتصاديات البلاد من أهم ما ينبغي أن يعنى به رجال الصحافة ويولوه جل اهتماماتهم (3) . ويرى شيخنا الفاضل أن لا حياة للأمة إلا بالعلم ولا يمكن أن يستقيم لها أمر من الأمور سواء في أمور دينها أو دنياها إلا به وتطالعنا الآن نهضة علمية مباركة لابد للصحافة من المشاركة فيها وتتبع سيرها بدقة ومعالجة ما عساه يعترض طريقها من عقبات أو يعرض لها من تلكؤ أو يعلق بها من درن والعناية بصفة خاصة بإيجاد المربي القدير وتغذية الروح والخلق قبل الجسم والإدراك (4) . ويلوم الشيخ عبدالله بن خميس أصحاب المواهب الذين يستطيعون المشاركة في معالجة قضايا المجتمع من خلال الصحافة ولا يفعلون أو الذين يشاركون في أوقات معينة ثم ينصرفون عن ذلك عندما تواجههم صعوبات أو تعترضهم عقبات أو لا يحصلون على ما يتوقعونه من التقدير لجهودهم فهو يرى أن على صاحب القلم والفكر أن يشارك في بناء مستقبل أمته الذي هو واحد منها وأن يدفع أبناءه وأحفاده إلى حبها أي حب الأمة ليكون له في توجيهها نصيب ولقلمه في تنويرها يد حتى لو قوبلت جهوده بالعقوق والجحود لأنه إن لم يفعل فلن يكون له فضل على الأميين والجهلة فلا يجوز عنده أن يتوسد صاحب القلم قلمه ويجمد صاحب الفكر فكره (5) . ويقول شيخنا الفاضل وأمة مثلنا تمر بدور تكوين وبناء وتتطلع إلى مستقبل باسم وحياة سعيدة وعيشة رغيدة وتهيىء نفسها للقيادة والريادة هذه الأمة أحوج ما تكون لصحافة ناضجة تسيرها الأفكار المستنيرة وتحررها الأقلام الحرة النزيهة الواعية المتحررة من الأهواء المبتعدة عن الأغراض ذات الفقه السياسي والاجتماعي والثقافي المدركة لمصائر الأمم العالمة برسالة الصحافة ودورها البناء (6) . ونقف على شيء مما حظي بمعالجات شيخنا الفاضل من قضايا الأمة في مختلف المجالات في كتابه من جهاد قلم فواتح الجزيرة والذي جمع فيه قدرا هاما من افتتاحيات الجزيرة عندما كان رئيساً لتحريرها. وفي قصيدة له بعنوان صحافة أمة مرآتها يقول شيخنا الفاضل ما يؤكد ريادته الصحافية قلبا وقالبا: صدقوا ومأثور الهداة هباتها قالوا صحافة أمة مرآتها فيها تكون عيوبها مجلوة وتكون في طياتها حسناتها هي منبر صوت الشعوب يذيعه ولفكرها ما أنهرت قنواتها يخشى فظاظة صوتها مستحقب غش الرعية أضمرته ولاتها من لي بها فصحى الحقيقة طلقة فوق الرقيب تكون حرياتها بظلال أقلام إذا ما جردت مطرت مروق صوبها عذباتها وطنية المنحى فلا شرقية توحي بواغل فكرها نفثاتها لا هذه نبغي ولا غربية تتحسس الدولار مرئياتها عقوا الصحافة واستباحوا صرحها ومضى بها نحو الجحود جناتها فلها قميص بالشيات مرقع يأبى التلون أن تعد شياتها فلك الرضا ما دام كفك سبطة أو لا فتعداد الحصى علاتها شأن الذباب ترود فيما حولها فتقودها لمرادها سوآتها ومن الصحافة ما بها رجع الصدى لا يستبين سرورها وشكاتها فقدت حرارة فكرها فاستسلمت تملي عليها القول إيحاءاتها أين الحقيقة نستنير بضوئها في أمة ضل الطريق هداتها ما دام أرباب الصحافة دلسوا فمن المحقق ان تعيث غواتها ومن الصحافة ما يكون غثاثة نادت على إفلاسها شطحاتها برزت على ميدانها نكراتها وتخلفت في الغابرين أساتها فالحن ولا تحفل بسنة معرب بادت وباد المعربون غلاتها واكتب ولو ان الحروف تناكرت وتجانفت عن هديها قسماتها فالعصر أضيق والحياة بأهلها من أن تريث المصهل ومضاتها وإذا أصيبت أمة بلسانها نادت على تقويضها مأساتها إني لأدعو في الجزيرة فتية هم أهلها وحماتها ورعاتها صونوا لذات الكبرياء جلالها ولتبق في ذات السمو سماتها فهي الحصان تنزهت عن ريبة نكأت مغامز عرضها ضراتها لي عندها عهد وعندي مثله مذ فتقت ورق الحياة نواتها عشرون حولا في الجهاد تجرمت نحو الطموح تحثها خطواتها ثمرات ما تبني الرجال وإنه لأعز مفخرة الشعوب بناتها (7) ** المراجع: (16) من جهاد قلم فواتح الجزيرة ص 363 و367 و368 و370 و374 و375 الشيخ عبدالله بن خميس. (7) على ربى اليمامة ص 579 الشيخ عبدالله بن خميس.