تعد الزيارة التفقدية المفاجئة أمراً مطلوباً من أي مسؤول مهما علا منصبه أو دنا، فهي من انجح الوسائل لمعرفة الحقائق وكشف الأخطاء والاطلاع على مكامن الضعف ومواطن التسيب والإهمال لدى المرافق الحكومية ذات الصلة بمصالح ومعايش المواطنين بجميع الفئات هذا الأسلوب من الزيارات مفقود تماما ولم نعد نسمع عنه إلا نادرا ومن قبل مسؤول «للتو» تولى منصبا جديدا يدفعه إلى فعل ذلك نشوة الفرح والسرور بهذا المنصب الجديد ولكن سرعان ما يعود الى ما كان عليه اسلافه السابقون. أما الزيارات السائدة الآن التي يتم الإعلان عنها مسبقاً إما بتصريح إعلامي مسبق او تعميم داخلي مرسل من أجل أن تأخذ تلك الجهة المراد لها الزيارة حذرها وتشدد على موظفيها بالالتزام بالدوام وإنجاز معاملات المواطنين بكل يسر وسهولة بمعنى أنها تظهر بمظهر التمام والكمال. فمثل هذه الزيارات تفقد قيمتها المرجوة منها ولا تحقق الهدف المنشود منها. ولقد حملت إلينا كتب التاريخ قصصاً وأمثلة للزيارات المفاجئة التي كان يقوم بها الخلفاء والولاة والأمراء ولعل من أشهرهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان مثالا فذا في إدارة شؤون البلاد وقدوة حسنة ونموذجا فريدا في إخلاصه ومخافته وتحمله المسؤولية فكان يقوم بجولات مفاجئة لتفقد أحوال رعيته بدون موكب أو مظهر أو «زبرقة» إعلانية في زمن افضل الأزمنة نزاهة وأمانة ومخافة من الله سبحانه وتعالى. و قصته مشهورة إذ اكتشف من خلال جولاته الليلية المفاجئة ما تعانيه أسرة فقيرة من عدم توفر لقمة العيش لسد رمق الجوع مما جعله يتألم لذلك الموقف ليذهب إلى بيت مال المسلمين ويحمل على ظهره الدقيق والزيت ثم طهيه وتقديمه لهؤلاء الصبية ثم تقول الأم أين عمر منا الله اكبر كم نحن بحاجة الى أن يقتدي المسؤولون والموظفون بسيرة الخليفة وان يقتبسوا من معين نهجه وأسلوب إدارته للرعية. فكم نحن بحاجة لمثل هذه الزيارات المفاجئة وكم نحن بحاجة الى أن يتنازل بعض المسؤولين عن بعض مظاهر البروتوكولات. إن الواجب على كل مسؤول أن يبرئ ذمته أمام الله سبحانه تعالى وأن يكون عند حسن ظن من كلفوه بهذه المسؤولية العظيمة من خلال ادارة وزارته ومتابعة فروعها المنتشرة وهذا لا يتم إلا بالزيارات المفاجئة غير المعلنة حتى لا يأخذوا حذرهم ويتظاهروا بمظهر أن كل شيء على ما يرام. ولعل من أهم ايجابيات هذه الزيارات: أنها تكشف للمسؤول حقائق كانت خافية عنه وتظهر له من السلبيات ما الله به عليم ولأن بعض المسؤولين يكتفون بالتقارير المعدة من تلك الجهة التي يكون بعضها مخالف للواقع ومجرد من الحقيقة مستخدمين أساليب التدليس والتزييف لما هو مدرك ومشاهد أو التلميع بإنجازات وهمية ومساهمات خداعة من اجل ان يظفر بشهادة شكر ومن ثم تلمع صورته على صفحات الجرائد. ان الزيارات المفاجئة تعطي منشطات قوية لها تأثيرات فورية على تلك الإدارة من أجل القيام بعملها على اكمل وجه وتحذرها من مغبة الاهمال والتسيب وتعطيل معاملات عباد الله. ان الزيارات المفاجئة لابد وان يصاحبها لقاء مصارحة ومكاشفة مع المواطنين وان يضع ذلك المسؤول نفسه فيما لو كان مواطناً فيبتعد عن دور المدافع لوزارته أو إدارته ويستمع لشكواهم ويتجاوب مع مطالبهم وأن تحمل تلك الشكوى محمل الجد لا على محمل أنها كيدية أو عدائية. ان الزيارات المفاجئة يجب ان تتكرر عدة مرات وفي أوقات مختلفة ليستطيع المسؤول معرفة الفارق بين هذه الزيارة والزيارات السابقة ومدى التحسن الذي طرأ عليها. ان الزيارات المفاجئة التي يجب ان يقوم بها المسؤولون هي من باب الإخلاص للعمل وتبرئة الذمة وأداء للمسؤولية الملقاة على عاتقه وأيضا محاسبة النفس في هذه الحياة قبل ان تحاسب يوم القيامة وفي يوم لا ينفع فيه تقرير مزيف أو عمل منمق. أسأل الله ان يجعل فيما كتبته تذكيرا لنفسي أولا ثم لكل مسؤول أوكل إليه أمر من أمور المسلمين وأن يعيننا على اداء الأمانات وتحمل المسؤوليات والقيام بالواجبات وأن يتجاوز عما حصل من خطأ أو نسيان.