للموت رهبة لا تضاهيها رهبة، والإنسان لا حيلة له أمامه، ولا يستطيع فيه تقديماً ولا تأجيلاً.. الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات، لأجل ذلك كله يكون للموت رهبته، حتى لو جاء كرؤيا في المنام، أو حتى كان أضغاث أحلام.. فليس هناك أقسى على النفس من رؤية حبيبك مُسجّى بلا حراك، تراه ولا يراك، تنظر إليه للمرة الأخيرة ولا تكاد تُصدّق ما ترى.. والدي أيها الطاهر النقي.. أيها الطيّب السخي؛ لو علمتُ أن رحيلك كان وشيكًا، لكُنتُ أعددتُ نفسي، وتقرّبت منك أكثر، ولتزوّدتُ من برّك بما قد ينفعني بعد وفاتك، ولأخبرتك أنّي لا أجد نفسي من دونك، ولأخبرك أن فراقك ينتزع الحياة من روحي، ويقذف بي إلى أعماق الضياع. والدي، إنّ العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا أبي لمحزونون.. ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا «إنّا لله وإنّا إليه راجعون». رحلتَ وفي القلب غصّة وفي النفس حسرة؛ منحتنا كل شيء، ولم تأخذ منَّا شيئاً، كنت تشاطرنا لقمتك، وتكدح في سبيل راحتنا، وتَضيق بك الدنيا من أجلنا، قدّمت لنا كل ما تستطيع، فكنتَ لنا العطاء والاحتواء، والصبر والوفاء، وكنت أنت البارّ بنا ولم ينلك البِرّ منا كما يجب أن يكون البِرّ. زرعت فينا كرم الخُلُق، والسماحة، والصدق، والتواضع، والإحسان إلى المُسيئين، كنت تُوصينا بالهدوء والتثبُّت قبل كل عمل.. سنفتقدك كثيراً، وسيفقدك مسجدك الذي خرجت منه بعد صلاة العشاء وكان هو الخروج الأبدي من الدنيا، خرجت ولم تدخل بيتك مرة أخرى بل ذهبت إلى رب كريم. سأفتقدك أنا يا والدي كثيراً.. ودّعتُك وأبدلني الله بجميل ذِكرك، وبياض سيرتك، ودّعتُك ولم أودّع مآثرك وكريم خصالك، ودّعتُك ولم أنسَ إحسانك إليّ، وصدق عطفك.. وعزائي أنك أقبلتَ على مولاك بوجه مضيء، وذكر حسن وبعد الصلاة مباشرة. اللهم إنك تعلم إحسانه إلينا حتى وفاته، اللهم اجزِه عنا خير ما جزيت به والداً عن ولده، وخير ما جزيت به مُحسناً على إحسانه. رحم الله روحاً لا تعوّض ولا تولد مرة أخرى، اللهم اغفر لمن عشنا معه أجمل السنين وهزنا إليه الحنين واجمعنا به في جنتك. رحم الله ضحكات لا تُنسى وملامح لا تغيب عن البال وحديثاً اشتقنا لسماعه، رحم الله والدي وجميع موتى المسلمين. Your browser does not support the video tag.