طالعت ما كتبه الأخ الفاضل صالح محمد العنزي في صفحة«عزيزتي الجزيرة» الصادرة بتاريخ 4 جمادى الآخرة في عددها«10911» تحت عنوان: تحقيق الجزيرة شرح لواقع الأحداث عندنا. وقد سرني ما كتبه الأخ مما يدل على غيرته على أبناء بلده وعلى مجتمعه فبارك الله فيه، وأحببت المشاركة فيما يتعلق بهذا الموضوع فأقول وبالله التوفيق: لاشك أن الأبناء هم زينة هذه الحياة الدنيا.. إنني هنا أخاطب كل والد ووالدة أن يتقوا الله في أبنائهم ويجنبوهم سبيل الانحراف وكأني بسائل قد نفد صبره ينتظرني كي أتوقف عن الحديث حتى يسأل سؤاله ويقول: وهل الوالدان يتسببان في انحراف أبنائهم وهل هؤلاء الأبناء الذين في الشوارع والطرقات يجوبونها ليل نهار ويعتدون على حقوق الناس ويؤذون عباد الله هل هم نتائج أخطاء الوالدين؟! هل انحراف الابن وهروبه من المنزل لساعات طويلة واقترانه بشلل الفساد ووقوعه في المخدرات وشرب الدخان والسرقات وارتكاب الفواحش والآثام هل هو من جراء سوء تربية الوالدين؟! فأقول: لعل هذه الأسئلة تشوقنا لبحث أسباب انحراف الأبناء وجنوحهم. فلاشك أن جنوح الأبناء له أسباب عديدة جداً لايتسع المقام لبسطها، فمنها: التربية المتناقضة- التدليل المتناهي- الجفوة البغيضة- عدم تقديم البديل عن الشيء الممنوع- عدم استخدام الثواب- إساءة استخدام العقاب- عدم متابعة الابن في المدرسة والبيت والشارع. كل هذه أسباب وبقي الكثير والكثير فالموضوع طويل ومتشعب ولكني أريد أن أقف مع سبب أتوقع أنه من أهم العوامل المساعدة على جنوح الابن. ولقد عاشرت شباباً قد انحرفوا وزالوا وتوافقت الأسباب التي يبررون بها انحرافهم على هذا السبب بنسبة تزيد على 90%. هذا السبب هو انفجار المشاكل الاجتماعية على مرأى ومسمع من هذا الابن، فبعض البيوت قد اتخذها الزوج وزوجته حلبة للمصارعة ورفع الأصوات أمام الأبناء الذين لا يتحملون مثل هذه المواقف. يقول أحد الأبناء عندما سئل عن سبب خروجه كثيراً من المنزل. فقال بنبرة حزينة وصوت قارب البكاء: وماذا أريد في البيت كلما دخلت البيت فليس سوى منظر واحد فقط أراه دائماً: أبي يصرخ في وجه أمي وتعلو صيحاتهم ويبدأ شجارهم. والبعض الآخر من البيوت قد مزقته الخلافات. فتارة الأم مع أبنائها في البيت وتارة تذهب عند أهلها وتترك أبناءها بسبب خلاف بسيط!! والأدهى من ذلك إذا وصل الأمر إلى الطلاق«الحلال البغيض» في أغلب حالاته فلا يلتفت الزوج أو الزوجة لما حولهما من فتية وصبية، وعندها تبدأ سلسلة ضياع الأبناء، فإن كانوا عند أبيهم فهم في ظل زوجة أبيهم وقلما تجدها تخاف الله في هؤلاء الأبناء فيمتلئ قلبها حسداً وحقداً فتسيء إليهم وترتفع على أكتافهم عند أبيهم. وإذا كانوا عند أمهم فإنهم قد فقدوا ركناً كبيراً في حياتهم فتصعب متابعتهم ويكثر خروجهم عندها لك أن تتحدث عن النهاية المؤلمة في ظل أصحاب السوء والشهوات والفتن. وربما أيضاً تجد بعض البيوت لم يكن عندهم أي شيء مما سبق ولكنك تجد الأب قد وقع في شراك المخدرات وبالتالي سيكون متردداً على السجون، فإذا فقد هذا البيت الأم الصالحة التي تصبر وتحتسب فتقوم على بيتها- وإن كان هذا الأمر شاقاً- وإلا فإن البيت قد بدأ في حلقة من سلسلة النهاية المريرة. حدثني أحد الأبناء عندما سألته عن الوضع المأساوي الذي يعيشه قال: أنا أكبر أخوتي من الذكور- وهو لا يتجاوز 13 سنة- ودوني اثنان من أخوتي- وأبي متزوج ثلاث زوجات، فقلت له: وما حال أبيك؟ فقال وهو يتجرع الحسرة: أبي موجود ولكنه، فقلت له: ولكن ماذا؟ قال: أبي واقع في الخمور والمخدرات.. ولا يدخل البيت إلا نادراً وإن دخل فهو متأثر بما شرب فيشتم هذا ويضرب هذا، وهذا غيض من فيض!! فبالله عليكم ما هو المستقبل الذي ينتظر مثل هذا الابن وأخوته وأين سيجدون من ينفق عليهم، نعم لا شك أن هؤلاء إن لم تنتبه الأم وتحاول أن تكمل لهم الحلقة المفقودة وإلا فقل عليهم السلام.. سيتجهون إلى السرقة بل إلى من يوفر لهم الراحة والمال وإن كانوا شللاً فاسدة لها مقاصد خبيثة. متى يشعر الآباء والأمهات بدورهم تجاه أبنائهم؟ أإذا امتلأت السجون والدور الاجتماعية ووقعوا ضحية أمور حقيرة.. قال صلى الله عليه وسلم:«كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». الحديث. وأخيراً لا أنسى أن أذكر أنني لا أبرر انحراف الشباب بسبب هذه المشاكل، فكم من شاب عرفناه يعيش مشاكل أسرية وفقر وأمور لا يعلمها إلا الله، وقد استطاع أن ينهض بنفسه ويصبر ويحتسب الأجر فخرج شاباً مستقيماً طائعاً لوالديه. وإنني وإن كنت لا أذكر إلا لفظ الأبناء، فلا أخرج بذلك ما تعانيه البنات من هذه المشاكل. فليستعد كل بيت توازنه قبل أن يتجرع الأبناء مرارة هذه المشاكل. وقبل أن أختم أناشد كتّاب جريدة الجزيرة الغراء بالكتابة والإسهام في القضاء على هذه المشاكل، كما أناشد أهل الخطوط العريضة في المجلات الأسبوعية«كالمجتمع» و«الدعوة» ومجلة«الأسرة» ومجلة«الشقائق» أناشدهم بألا يهملوا هذا الموضوع.. وأن يضعوا له في مجلاتهم مكاناً.. هذا وأسأل الله أن يعيد دور البيوت إلى ما كانت عليه من تخريج شباب صالحين ومصلحين. إضاءة يقول أحد العلماء المعاصرين: «إن عودة الأمة إلى تربية النشء والذرية هي عودة للحق والإيمان»