ليس ثمة أجمل من وقفة سمارية معتادة مع أهل الميدان التربوي حيث التفت الأستاذ عبدالرحمن السماري في زاويته (مستعجل الجزيرة عدد 10917) إلى معلمات المناطق النائية وتطرّق إلى فكرة السكن الخاص للمعلمات المغتربات الذي أطلق عليه ابو سعد (معلمات عزوبيات) أو بيوت العزوبية الذي لا ينسجم مع أعرافنا الاجتماعية وعاداتنا الأسرية.وحقيقة لقد أجاد الكاتب الكريم فتح ملف معلمات المدارس النائية اللاتي يعزفن على وتر المسافات.. ويذرعن الطرقات.. تحت مظلة المشقة والتعب النفسي والبدني.. وعبر مشوار يومي متجدد ومحفوف بالقلق والتوتر والضغط العصبي الحاد.. يعكس معاناة هذه الفئة من المعلمات الصابرات.. المحتسبات وبخاصة مع تعدد المخاطر.. واحتدام المشاعر.. وضيق الحلول.. ورهبة حوادث المعلمات وقد بحت أصواتهن دون وميض أمل.. بالرغم من محاولات رئاسة تعليم البنات سابقا.. لكن ظلت المشكلة.. واتسعت دائرة المعاناة.. وأصبحت (المدرسة النائية) كابوسا يغتال فرحة التعيين! لتجد الخريجة نفسها بين أمرين أحلاهما مر! إما المدرسة النائية أو الجلوس في المنزل!وأعتقد أنه آن الأوان لوضع حد لمسلسل الاستنزاف وتقديم حلول فاعلة ولاسيما ان لوزارة المعارف تجارب تعليمية جادة يمكنها أن تنقل لميدان تعليم البنات من ذلك (نظام الدراسة المخفضة) في المرحلة الابتدائية للمدارس التي يقل طلابها عن خمسين كما أذكر ونظام الضم وغيره.من هنا أعتقد أن معلمات المدارس النائية اولى بالوقوف معهنّ فهن نساء ضعيفات يذرفن مجهودهن في الدروب الوعرة والطرق الطويلة بدل ان يبذل في الفصول.. هنّ معلمات محرومات من الاستقرار النفسي والبدني فضلا عن الإحراج الأسري.. ومعظم رواتبهن تذهب أجرة للنقل والباقي يذوب كحسومات غياب!! فكيف يمكن أن يظهر العطاء على كف الشقاء..ولم تزل معلمة المدرسة النائية تفتش عن حلول صريحة تعالج مشاعرها الجريحة.. ترفع عقيرتها بالشكوى.. وتلملم هواجسها العطشى.. تستمطر المجتمع رحمة ووقوفا بعد ان سئمت الثرثرة.. وملّت التبريرات المعلّبة.. والحجج الواهية وللأسف ظلت معاناتها حبيسة الورق والأدراج.. ومادة دسمة للمسلسلات.. والرسوم الكاريكاتورية!! آه منكم معشر القوم لقد زرعتم بذور اليأس والخذلان في تلك النفوس المتوثبة للتدريس.. ونكأتم جراح المسافات.. التي حفظتها ذاكرة الطريق!! والآن الكرة في ملعب وزارة المعارف فهل تستطيع وزارتنا الكريمة تقديم حلول ناجعة باعتبارها المؤسسة التربوية القادرة على كبح جماح مشاكل الميدان وقراءة معوقاته عن كثب.. ولربما استطاعت ذلك من خلال صياغة بنود جديدة لمعلمات المدارس النائية من ذلك: 1 اختزال الجدول المدرسي للمعلمة خلال الاسبوع بحيث تستكمل نصابها من الحصص في يومين على الأقل أو ثلاثة على الأكثر بالتنسيق فيما بين المعلمات. 2 اختصار الحصص بحيث يبدأ الدرس الأول متأخرا مع الخروج المبكر تجنبا لوقت الذروة ذهابا وإيابا. 3 وضع حوافز للمعلمات المنتظمات من خلال نقل مغر مع تقسيم المدارس النائية لفئات. 4 إعادة النظر في إجازة معلمات المدارس النائية وعدم مطالبتها بالحضور في ايام عودة المعلمات مثلاً.. إنها مجرد أفكار ورؤى أسوقها لوزارة المعارف التي عودتنا على الاستفادة من حوارات التربية وتقويم تجارب الميدان.. وأعتقد أن (حركة لم الشمل) التي ظهرت في فضاء النقل.. والسكن الخاص لمعلمات المناطق النائية حلول سطحية تفتقد للعمق والنضج والفاعلية..إن المعالجة لابد أن تمتد لوقت الدوام وزمن الحصص وآلية الجدول المدرسي عبر خصوصية استثنائية تمنح قضية هاتيك المعلمات نقلة إيجابية وتعيد التوازن والاستقرار للمدارس البعيدة حيث كثرة انقطاع المعلمات تحت لظى المعاناة. لا نريد أن نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة! بعد أن أصبحت المعلمات فوق بساط وزارة المعارف.. وهنّ أمانة في عنقها.. وما زلن يطرقن الأبواب.. فهل من جواب؟