رغم أن الموت حق وانه نهاية كل إنسان على وجه الأرض إلا إن فقد الطيبين يكون وقعه في النفس غليظا، ويحز فيها حتى يكاد يفلق الكبد، خاصة إن كانوا من أهل الخير والصلاح أولئك الطيبون النادرون الذين يرجى خيرهم ويؤمن شرهم من أصحاب الأراوح البيضاء والقلوب الطاهرة الصافية النقية، من الشخصيات البريئة اللينة التي تحب الخير وتسعى به بين الناس جميعا وهم قلة قليلة. وفقيدنا الغالي رحمه الله كان جوهرة وسطهم شهد له بذلك القاصي والداني ممن عرفوه، لقد كان بيننا يضمنا ويحتضن همومنا وأفكارنا واحتياجاتنا ويسأل عن الصغير قبل الكبير ويعطف على الطفل وعلى الكبير ويحترم الكل ويقدره ولم يكن ليرفع صوته أبدا على أحد منا إلا للنداء بالصلاة أو الإقامة لها وخلال دقائق معدودة توقف القلب الكبير قلب الأب الكبير أو قلب الشيخ الكبير، الكبير بأخلاقه وحسن أدبه وحسن تدبيره للأمور، الكبير بمحبته للجميع ومحبة الجميع له، توقف القلب الحنون الساعي بالحب والخير، قلب الرجل النابض بالحب للجميع دون استثناء، توقف وانطفأت في قلوبنا وقلوب من عرفوه حسرات كثر وزادت عبراتنا وانطفأت شموع قلوبنا التي كانت يضيؤها وجوده..!! لقد فقدنا في قريتنا الصغيرة بين جبال عسير مؤذن مسجد قرية «ذات العلب» ونائب قرى ذات العلب الذي هو جدي المرحوم: «محمد بن ناصر العمري» ذلك الرجل الطاهر النقي الساعي بالخير والفضيلة. لقد كان منبرا للخير والتقوى ورمزا من رموز الحق والصدق والكرم والوفاء وكان يضيء القرية عند كل صلاة بصوت الأذان العذب الذي تعودنا على سماعه منذ كنا أطفالا صغارا والذي كان يخرجه من أعماقه البيضاء ومن قلبه الطاهر النقي، وكان صوت اذانه - رحمه الله - له تميزه وله وقعه الخاص يجبرك على الاستمتاع بسماعه وهو يجهر به بصوت عذب تلقائي لا تكلف فيه ولا صراخ هكذا كان مؤذننا الغالي، وعرفناه بروحه الطاهرة البريئة التي يحمل في ثناياها قلبا نادرا محبا للخير ومحبا لكل الناس، قلبا طاهرا ساعيا بالخير والحق والفضيلة متلمسا أحوال الأهالي في القرية الصغيرة وغيرها من القرى. وقد عمل نائبا للقرية فكان نعم الرجل الذي يتحمل المسؤولية يسعى بالصلح بين الناس قدر الإمكان، ويجمع التبرعات ويوزع الصدقات ويتفقد أحوال الضعفاء في أي مكان يعمله، إنها سيرته العطرة التي عطرها بالتقوى والصلاح والأخلاق الفاضلة والنوايا الحسنة من قلبه «رحمه الله» الذي كان فيه متسعا كبيرا لمحبة الجميع.